تدوينات تونسية

ما في وقوف الأم بالباب من معنى

كمال الشارني
(من أجل أمهات 17 ديسمبر 2010)
لا تعد جثة على يدي أصدقائك،
وحدهن أمهات الشهداء يعرفن الحقيقة، يتفقدن كل صباح الملابس الأخيرة الملوثة بدماء لا تكذب لفلذة الكبد الذي أقسم بصدق أن يعود حيا: “لا تقلقي أمي، تعرفين أني لن أقترف حماقة الموت، نحن تلاميذ لا نقتل، إن حدث أن عدت متأخرا، اتركي لي العشاء أمام التلفاز لكي أشاهد الأخبار قبل أن أنام، آه، ولا تنسي المنديل حتى لا أمسح يدي في غطاء المائدة”، يقول لها مازحا.
تركت له العشاء على الطاولة الصغيرة أمام التلفاز في بيت الجلوس وغطته بالمنديل، واكتشفت صباحا أن الغطاء لم يرفع عن الطبق، دق قلبها بعنف، كانت متأكدة أن شيئا لن تشفى منه أبدا قد حدث، تذكرت صباح اليوم الماضي: وقفت على باب غرفته، اتكأت هناك دون أن تدري أنها تراه لآخر مرة، هو ينام حتى الحادية عشر صباحا، جمعت مرة أخرى، دون إحداث جلبة قد تكدر أحلامه، جواربه وملابسه الداخلية التي يتخلص منها تحت الفراش، إنه في التاسعة عشر، ما يزال أصغر من الموت برصاصة، لا يمكن أن يخذلها الله فيه وهو في هذا العمر، لكن شيئا مؤلما جدا، إنما، كم كان صحيحا، كان يخزها في قلبها وقتها، غريزة الأمومة تقول لها إن شيئا غير صحيح في ذلك المشهد، لكنها لم تعرف وقتها أنها تراه لآخر مرة، وإلا لكانت ربطته بحبل الشريطة،(حبل الغسيل) لكانت قالت له: “بإمكانك أن تموت بطلا، إنما بعد موت أمك، إني أحذرك، لا تعد إلى أمك جثة على أيدي أصدقائك”.
ما تزال تحافظ على غرفته كما كانت، كراساته وكتبه، جواربه وملابسه الداخلية تحت الفراش، ما تزال تقف بالباب مثل آخر صباح رأته فيها حيا نائما بتنفسه العميق المطمئن، لا تصدق أنه لن يعود.

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock