في يوم اللغة العربية أو يوم “الماء”

بحري العرفاوي
الإحتفال باللغة العربية في دول عربية له دلالاته لعل أهمها الشعور بأن مستوى اللغة لدى ناشئتنا قد بلغ درجة من الضعف مُخيفة سواء على مستوى الإستعمال كتابة ونطقا أو على مستوى التلقي مطالعة وإصغاء.
لهذا الإحتفال أهميته ورمزيته بالتأكيد وقد يكون عنوانا لافتا لأنشطة مستقبلية ولعمل جادّ يشارك فيه الكثيرون من المعنيين باللغة العربية وبمستقبل الأجيال.
اللغة ليست مجرد منطوق ولا مجرد أداة تواصل إنما هي بالأساس وعاءٌ لحمل مضامين وأفكار وقيم ومشاعر… إننا نتبدّى في اللغة وباللغة وإننا نفرغ ذواتنا بما هي أفكار وعواطف وقيم في اللغة… كل الحضارات إنما كانت حضارات نصوص. فالثورة التي قادها الرسول الأكرم والتي حوّل بها صحراء الأفاعي والعقارب إلى منبتٍ لحضارة إنسانية عالمة وعاقلة ومنفتحة إنما كان منطلقا النص القرآني، والثورة الفرنسية التي أخرجت أوروبا من خرافات وأوهام وتحريفات الكنيسة إلى المدنية والعلمانية إنما كان منطلقها نصوص فلاسفة الأنوار، والثورة البلشيفية وغيرها من الثورات على الإقطاع والرأسمالية إنما انطلقت من نصوص ماركس وأنقلز ولينين… إن اللغة هي خزان الحضارات وذاكرتها وماءُ نباتها وهي وهجُ العواطف الوطنية والدينية والإنسانية إذ “الكلمة حقل دلالي ومجال لإنتاج المعنى” كما يقول على حرب، و”الكلمة ليست مجرد شحنة كيميائية بل شحنة شعورية” كما يقول أدونيس وفي القرآن الكريم “أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ . تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا…” إن ثمار الكلمة هي معانيها ودلالاتها وما تنتجه من وعي ومن تحولات في العقول والأنفس والعلاقات والمعاملات.
الإحتفال باللغة العربية لا يمكن أن يكون في يوم ولا حتى أسابيع إنما أهمية هذا الحدث في رمزيته وفي كونه يؤسس لمرحلة جديدة بدأت معها البلاد تتلمس ماءَ هويتها وتتحسس ملامحها وقد نالت منها مشاريع التشويه والتجريف والتجفيف حتى كادت تتحلل في هويات شتى مما دفع بالعديد من شبابنا إلى البحث عن “هويّاتٍ بديلة” أشقته وأفرغته من ماء المعنى ومن وقود الأمل ومن روحية الحياة… نحتاج بالتأكيد جهودا كبيرة وعزائم قوية وقرارات شجاعة حتى تستعيد “العربية” بريقها وجماليتها وحتى تتكشف أعماقُها ويُنقى قاموسُها… وقد كانت إشارة هامة أن تلتقي وزارتا التربية والثقافة في تنظيم نشاط مشترك نأمل أن تتبعه أنشطة أخرى في المؤسسات التربوية وفي دور الثقافة والشباب وفي مختلف وسائل التواصل مع الناشئة.

Exit mobile version