التّجربة الألمانيّة
عبد اللطيف علوي
لست معنيّا بانتخابات ألمانيا، وأنا على عكس الكثيرين لا أميل إلى تضخيم ذلك الإنجاز والنّفخ فيه أكثر ممّا يحتمل، لكنّني معنيّ بالدّروس الّتي يمكن أن تستفاد من مثل هذه الوضعيّات، في علاقتها بالثّورة وبالأصدقاء…
أنا أعتبر أنّ الفائز الحقيقيّ في انتخابات ألمانيا هي السّيدة “هايده ليمام”، لأنّها في اللّحظة الفارقة لم تغلبها نرجسيّتها وأنانيّتها وعرفت تختار، اختارت أن لا تكون مسمارا في خصر الثّورة، فانسحبت كي لا تتشتّت الأصوات، رغم أنّها تعرّضت لحرب ظالمة استعملت فيها أسلحة وسخة ومتخلّفة، وضعها كامرأة وأمومتها، وطعن في شخصيّتها واستقلاليّتها… أهنّئك سيدتي على انتصارك في معركتك الأخلاقيّة، وهو الأهمّ.
ياسين عياري لا يعنيني، ولا أرى فيه ما يراه مريدوه، لكنّني في غياب المرشّحين المستحقّين الجادّين، أجد نفسي أكثر ارتياحا لفوزه، ولو من النّاحية الرّمزيّة البحتة.
ياسين عيّاري لن يكون صوتا حقيقيّا في صالح الثّورة إذا لم يتصالح مع نفسه، جميعنا رفعنا صوره وساندناه يوم تعرّض للظّلم ووقع استهدافه من المنظومة البائدة، لكنّه بعد ذلك تدحرج إلى قاع الإسفاف وضيّع معركته الحقيقيّة، وركب الحمار القصير، وأراد مثل غيره أن يقفز إلى أعلى السّلّم بالتّجريح في فئة عريضة من بني وطنه، وتجريمهم والتّهجّم المجانيّ مستعملا في ذلك أحطّ الألفاظ وأسقط النّعوت، ولذلك فقد فشل في اختبار أن يكون ابنا للشعب ناطقا باسمه بكلّ أطيافه وشرائحه، واختار الموضة الرّائجة والعملة السّهلة.
لا ثورية في أن تزايد بثوريتك على الآخرين.
لا وطنيّة لمن يدّعي احتكار الوطنيّة.
ولا فضل لمن يمنّ بفضله على النّاس.
الثّورة تحبّ من يتواضع لها ويخفض جناحه للنّاس ولا يكون عبدا لنرجسيّته وغروره، واللّغة ليست مجرّد حوامل للأفكار والمعاني، اللّغة هي شخصيّة الإنسان، واللّغة السّاقطة المبتذلة تهوي بصاحبها إلى الدّرك الأسفل وتسقط عنه كلّ شرعيّة حتّى ولو فاز في انتخابات مشهودة وجاء إلى البرلمان مدجّجا بـ 265 صوتا.
#عبد_اللطيف_علوي