مقالات

سؤال وإجابة عن حزب الله والدولة اللبنانية

مصدق الجليدي 

أودّ أن أسأل السيّد نصر الله: من أي سلطة تنتظر الإذن أو الأمر بالجهاد ضدّ الكيان الصهيوني: من رئيس الدولة اللبنانية القائد الأعلى للقوات المسلحة، أم من ولي الفقيه في إيران؟ هل يمرّ أمر رئيس الدولة في كل الأحوال حتى إذا لم يشكله نتيجة لاقتراح من حزب الله أو بناء على نتيجة تشاور معه، أم يجب عرضه على ولي الفقيه في إيران أوّلا؟
المشكل في هذه الإشكالية هو أنه يصعب اعتمادها كاختبار، نظرا للتحالف القائم حاليا بين حزب الله ورئاسة الدولة ورئاسة البرلمان في آن.
الحبيب بوعجيلة 
أسئلة شرعية، من الدكتور ويجب الإجابة عنها بالمعلومة لأنها مسالة بحث معرفي: في خصوص العلاقة بالدولة اللبنانية هناك في كل دورة تكليف حكومة ما يسمى بخطاب التكليف الذي يجب التنصيص فيه على ثلاثية مقاومة جيش شعب كشرط للتصويت للحكومة. بالنسبة للعمليات والتنسيق الأمني بين الحزب والجيش يبقى طبعا من أسرار الدولة ومجلس الأمن القومي. الولي الفقيه تتم استشارته نعم من طرف الهيئة الشرعية للحزب (المجلس الشرعي) في ما يتعلق بالتكليف الشرعي والراي الفقهي في العمليات التي فيها خطر تضرر المدنيين من العمليات (مدنيو المقاومة أو مدنيو العدو). والاستشارة طبعا تكون عامة ومعلنة وممضاة من الولي الفقيه (علاقة دينية وليس سياسية) بمعنى لا علاقة لها بالانتماء الوطني كأن يستفتي تونسي الشيخ القرضاوي مثلا. ننتظر منك دكتور نصا في وحدة المقاومة الذي يتبلور الآن والحمد لله. شكرا على إتاحة الفرصة للأسئلة العلمية.
مصدق الجليدي 
شكر الأستاذ الحبيب على جوابه اللبيب على سؤالي. طبعا هو يفهم أن هذا السؤال ليس موجها لشخص السيد حسن نصر الله بالذات، وأني لا أنتظر الجواب منه حصرا. فالأمر يتعلق بمسألة، لا معرفية فقط، كما تفضل بالتنبيه إليه الأستاذ الحبيب، بل أيضا بمسألة مؤسسية مقعّدة تقنينا أو تفقيها.
بقي أن هنالك جانبا آخر في الردّ سبق أن سمعته من السيد نصر الله نفسه بمناسبة خطاب ألقاه على أنصاره في الضاحية الجنوبية في فترة ليست بعيدة عن عملية تبادل الأسرى بين حزب الله (والمقاومة الفلسطينية) من جهة والكيان الصهيوني من جهة ثانية، وهي العملية التي تم فيها تحرير سمير القنطار رحمه الله. يقول السيد نصر الله إن دم الموالين للإمام يذهب حراما إذا سال في حرب لم يتلقّ فيها المسؤول عن خوضها (ابتداء) إذنا من ولي الفقيه بإيران لخوضها. ولم أسمعه عندئذ يذكر تفصيل المدنيين الذي أشار إليه الأستاذ الحبيب. بخصوص وحدة المقاومة (لملمة الجراح” بتعبير السيد نصر الله)، فهو موضوع جدير بالتفكير فيه، وهو ليس بالموضوع البسيط كما قد يتبادر إلى الأذهان.
وقد سبق لي في زمن التفاؤل الكبير غداة الثورة أن حلمت بأن تكون “سيدي بوزيد منطلقا لتحرير القدس” أعني بذلك التحام قوى الثورة في البلدان العربية (تونس، مصر، اليمن) مع قوى المقاومة. فتكون ثورة الحرية والكرامة، ليست ثورة بالمعنى الديمقراطي القطري فحسب، بل بالمعنى الديمقراطي – التحريري العربي الشامل. حلمت بذلك بنفس العفوية وروح الأمل التي حلمت بها قبل الثورة بقيام حلف إسلامي تركي- إيراني- سوري- لبناني، جزائري، في وجه المعسكر الصهيوني بالمنطقة، لما حدث ذلك التقارب التركي- السوري- الإيراني، الذي ذاب لاحقا كالملح.
ولكن ما كل ما يتمناه المرء يدركه، فقد جرت الرياح بما لم تشته سفني. الآن عليّ، وعلينا، التفكير، بأقل اندفاع، وبأكثر بعد استراتيجي، وواقعي، يأخذ بعين الاعتبار تشابك العوامل الجيواستراتيجية الإقليمية والدولية مع البعد الثقافي والديني و”القومي (غير القومجي). فبالفعل هنالك أسئلة كثيرة يجب الإجابة عليها للكتابة عن “وحدة المقاومة”. من ذلك، ما هي الأهداف التي يجي ضبطها من هذه “المقاومة” المتزامنة مع “انتفاضة ثالثة”؟ لصالح من آنيّا واستراتيجيا سيكون ريعها؟ الحد الأدنى بطبيعة الحال هو ألا تكون في صالح العدو المشترك، العدو الصهيوني. ولكن هذا لا يكفي، حيث يجب أن تكون لصالح “مشترك” أيضا وليس لصالح طرف “أقوى” في الظرف الراهن، على حساب طرف آخر في “المقاومة”. فالثقل الرمزي الفلسطيني- العربي قد يتجاوز اعتباريا وزن كل القوى المعادية لـ”اسرائيل” في المنطقة.
ليس من السهل كما ذكرت التقدم بإجابة فورية على سؤال “وحدة المقاومة” في غياب “مشروع وطني عربي” واضح الملامح بعد انهيار الأطر الطوباوية أو المزيفة لدولة إقليم (نديم البيطار) حاضنة وحامية (مصر- العراق- سوريا- ليبيا). إذا تركنا كل هذه الاعتبارات الآجلة ولكن المصيرية عربيا، فيمكن الاكتفاء حاليا بمنطق العمل بقاعدة “عدو عدوي صديقي” وأن كل الحركات التحررية في العالم، أو جلها، بحثت عن سند إقليمي أو دولي لها، تحت ضغط انخرام التوزان وغياب التكافئ في القوى.
أرجو أن أتمكن من العودة إلى الموضوع بذهن أصفى، وهو صفاء ليس ذاتيا، ولكنه يأتي مع توضح الرؤية موضوعيا لكل ذي عقل نزيه. وحتى إن تقدم الميدان على الفكر، فليس هذا معرّة للفكر، لأن الحكمة غالبا ما تأتي متأخرة، كطائر المينارفا، كما يقول هيغل، أو لأن تقدم الميدان على الأذهان لا يعني دائما الوجاهة والفعالية، من ذلك ما نرى من مصير ثورات “الربيع العربي”. وهذا لا يعني أنه كان على هذه الثورات ألا تحدث حتى يتحدث إلينا العقل عنها مسبقا، ولكن جهد العقلنة والاستشراف والتخطيط يبقى دائما مطلوبا بالسبق أو بالالتحاق، أو بالأحرى بطريقة جدلية لولبية متصاعدة. أجدد شكري للأستاذ حبيب على “هدوء الجواب ورصانته” وأرجو أن نواصل جميعنا التجاوب بنفس الهدوء والرصانة والمسؤولية.
الحبيب بوعجيلة 
الدكتور مصدق.. عندما وضعتك أمام هذا “التحدي”.. الكتابة في وحدة المقاومة فذلك من منطلق الصفة المزدوجة التي تحملها.
أولا الصفة الأكاديمية كمفكر إسلامي (بمعنى اسلامولوغ وليس بمعنى أيديولوجي) ما يجعلك اليوم اكثر من أي وقت مضى أمام مسؤوليتك المعرفية لتخليص الإسلام والشباب المسلم من براثن المذهبية والطائفية في الجهتين بالعودة إلى تقديم الفكر الإسلامي في أصوله المحمدية الأصيلة وافقه الكوني التنويري.
ثانيا صفتك “الحركية الكفاحية” كفاعل سياسي سليل التيار الإسلامي التنويري المقاصدي التقدمي الذي استحضر كتيار منذ نشاته في ثمانينات القرن الماضي العلاقة المتناغمة بين الإسلام والتقدم والإسلام والعروبة والإسلام والمقاومة في مواجهة إسلام الاستكانة أو الإسلام المؤمرك أو إسلام الدوعشة.
ولاشك ان الاشتغال بهاتين الصفتين على تدقيق المعلومة للشباب والفاعلين يمكن أن يغنينا عن بوادر “حرب أهلية” بين أهل القبلة والتوحيد وهي حرب أنتجها سوء التقدير أو الاختلاف في التقدير بعد “فتنة ربيع عربي” امسك بناصيته “سياسويون” بلا رؤى وأفكار كبرى يصوغها المفكرون ببرودة العقل وصرامة العلم. ان التاريخ لن يسمح للمفكر لا بالصمت ولا بمجاملة العامة ولا حتى بالرضوخ إلى أولوية السياسوي على الابيستيمولوجي ولاشك انك تلاحظ ان قضايا حارقة كلما تناولها مفكرون عارفون بردوا النقاش حولها فكان النقاش مجديا مثمرا وكلما دخلها العامة أو “السياسويون” اضرموا فيها نار الصخب فلم يستفد احد. وحدة الأمم العربية والتركية والفارسية وعلاقة الثورة بالمقاومة والديمقراطية بالتحرر حين تبنيتها كما قلت يا دكتور كنت على صواب ولاشك انك تملك مبررات تأصيلها علميا كمفكر ولكن أجواء التجاذب العامي ربما زهدتك في معاودة التبشير العلمي بها لكن ثقتي أن “دودة العلم” و”حشيشة المفكر” ستتغلب مرة أخرى على “تحفظ وحذر السياسي” فيك لنرى لك معاودة إسهام في هذه “الأحلام” التي نحتاجها اكثر مما نحتاج الى “صراخ وصخب” السياسويين. دمت صديقا.

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock