عبد الرزاق الحاج مسعود
القدس اصطلاحا
أغلب ردود فعل شعوب العرب والعالم الإسلامي على قرار نقل سفارة أمريكا إلى القدس لم تتجاوز الانفعال الوجداني “الغاضب” لكن المصحوب بشعور العجز القاهر عن الفعل.
• لذلك يسارع كثير من المناضلين “السابقين” ممن كانوا حتى يوم قريب يتظاهرون من أجل فلسطين في ذكرى المجازر الصهيونية إلى الحديث عن لاجدوى التظاهر ولاجدوى التعاطف مادام الاستبداد يحول بين فلسطين والشعوب التائقة لتحريرها وما دامت موازين القوة العالمية مختلة لصالح الصهيونية وداعميها.
• مقابل هؤلاء “المثبطين” يوجد متحمسون لكن يائسون أيضا في رأيي. فهم يقولون بضرورة التظاهر وتسجيل الرفض ولو كانت كل حسابات القوة تصبّ لصالح العدوّ. يكفي عندهم الرفض لتظلّ “القضية” حية في ضمائر الشباب والعالم حتى يقضي التاريخ أمرا آخر.. في زمن آخر.. قد لا يأتي.
• إلى جانب هؤلاء يبرز تبشيريون مسدّدون بالعرفان يقولون أن القدس وعد إلاهي للمسلمين وستعود إليهم عاجلا أم آجلا (في شبه غريب بقول الصهاينة بأن القدس عاصمة الشعب اليهودي بوعد إلاهي). مع اختلاف جزئي بين “العرفانيين”، إذ منهم من يقول بأن “رجال الله” الذين سيحررون القدس بدأوا بالظهور، ومنهم من ينتظر “العلامات” التي بشرت بها الكتب الساحرة.
•••
وكلّ هؤلاء “واقع” ماثل لا نملك إنكاره والقفز فوقه،
لذلك أحدس سيناريو “مثاليا” لكنه “ربّما” يقع “رغما” عن الجميع المتناقضين مشارب وأهواء:
• الاندفاعة المتصهينة التي قادت ترامب في قراره تعبّر عن حضيض “التحضّر” الأمريكي المختطف من طرف لوبيات “يهودية” لا تتردّد في توظيف القوة الأمريكية لصالح “اسرائيل” وتهديد التوازنات السياسية الدولية الهشة والمتحولة في اتجاهات قد تنتهي قريبا بخسارة أمريكا لوضعها القيادي الذي تبوّأته منذ نهاية الحرب الثانية.
هذه الاندفاعة الترامبية قد تحدث زخما عاطفيا استثنائيا في المجال العربي المترنح على حافة اليأس أمام هول الحريق المتفجّر داخله. زخم عاطفي يمكن أن يوظّف في معركة خاطفة يتمّ فيها “تحييد” الأنظمة التي سبق أن تمّ تحييدها وحتى إسقاطها حين يرتفع عنها السند الغربي الاستعماري،
ويدهمها الضغط الشعبي المتحرّر من كل خوف، وربما يتم حتى استدراجها للاصطفاف الاضطراري مع شعوبها. هذا الزخم سيكون ما فوق حزبي، بمعنى سيجمع أصحاب الوجدان الديني والقومي والاممي والإنسانوي في “هبّة” “طارئة”.
• موجة الرفض الدولي لخطوة ترامب وصعود قوى عالمية تتطلّع لخلخلة الهيمنة الامريكية ترغب في توظيف هذه المجازفة الترامبية المتعجرفة.
• حالة الانسداد التي بلغها مسار اوسلو قد يدفع كل مخرجاته وعلى راسها سلطة رام الله إلى تفويض ما تبقى من أجهزتها العسكرية للقيام بعمل عسكري “استثنائي” من داخل الارض المحتلّة بالتنسيق مع كل فصائل المقاومة التي يجب أن تتخلّص من سلطة “أسمائها” القديمة (وطنية وإسلامية) ينهي الانقسام الفلسطيني المخزي ويفتح الطريق أمام عودة وحدة المقاومة في اتجاه صياغة مشروع وطني فلسطيني على أسس وطنية تحرّرية جامعة لا إيديولوجية مفرّقة.
• تفجير كل عوامل الصمود والمقاومة في الداخل الفلسطيني والجوار العربي. بما يعني إعلان حالة العصيان الدائم في اراضي 48 والانتفاض الشامل داخل الضفة وغزة مع فرض المساندة والتمويل وفتح المعابر عبر مصر ولبنان وقوافل الدعم البحري من كل العالم.
• ستكون الفرصة عظيمة أمام حزب الله لاستعادة انتمائه للمجال العربي وهويته المقاومة المناقضة للمشروع الصهيوني والتخلّص من مذهبيته (الطارئة عليه بعد هيمنة اليمين المذهبي على السياسة الإيرانية الحالية بعد أن أوشك محمد خاتمي على النجاح في تخليصها من عقدة المذهب). بتسخير كل قدراته العسكرية الميدانية في تغذية حالة الرعب داخل اسرائيل التي لن تصمد كثيرا في معركة تدور “داخلها” أي لا فقط في مستوطناتها الجديدة بل في شوارع يافا وحيفا وعكا والناصرة.
لو استطاع ميدانيّو المقاومة الفلسطينية واللبنانية تحويل الحرب إلى الداخل الاسرائيلي لن تصمد اسرائيل طويلا وستضطرّ إلى التفاوض حول وضع “مهاجريها” القادمين من كل أصقاع العالم (والذين لن يكون بإمكان كثير منهم العودة من حيث أتى آباؤهم وحتى أجدادهم) داخل دولة فلسطينية جامعة لكل أهلها.
•••
وستنفض القدس حينها عن نفسها أثقالها التاريخية التي تزيّن لها لقب “قلب العالم”، وهي لا تفعل في الحقيقة إلا منعها من التنفّس والحياة باسم “قداسات” متوهّمة ثبت للجميع أنها آلة جهنمية لصناعة الحرب والقتل والخراب.
“الإنسان هو قلب العالم وروحه… وجسده أيضا”.
سيناريو على حافة/شفا الحلم.
اكتشاف المزيد من تدوينات
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.