إسكندر الرقيق
لا نختلف اليوم تقريبا في تشخيص الأزمة الاقتصادية التي وصلنا إليها، سواء من كانوا في السلطة أو المعارضة أو في القطاع الاقتصادي من خبراء وكفاءات.
فقد اتفق الجميع على أن البلاد اليوم تمر بأخطر مراحلها الاقتصادية، مما يستوجب سياسة إنقاذ جدية وعاجلة وإلا فالمستقبل لن يكون كما يأمل التونسيون.
والأكيد أن هذا العلاج أو الإنقاذ لا يمكن أن ينبني على السياسات الترقيعية التي طالما اعتمدتها الحكومات المتعاقبة في معالجة هذه الأزمة.
فهل نحن اليوم مستعدّون لحلول حقيقية تقطع مع المنوال السائد والقوالب الجاهزة والترقيعية؟ فحكومتنا اليوم فاشلة و عاجزة حتى على تنفيذ إصلاحات ترقيعية وكأنها تحت تأثير “الصدمة”.. الصدمة من فداحة الأزمة وخطورة الوضع.
هل نحن مستعدون للتفكير جديا في المنوال الاقتصادي الأمثل الذي يجب اعتماده اليوم في تونس بأكثر جرأة وشجاعة تتلاءم ودرجة الخطورة التي وصل إليها وضعنا الاقتصادي..؟
نحن اليوم نريد التأسيس لطرح وفكر اقتصادي جديد، وهو ما يدفعنا إلى النظر في قدراتنا ومزايانا الاقتصادية التنافسية، هل قدراتنا التنافسية اليوم في الصناعة مثلا ؟ هل لدينا صناعة في تونس قادرة على التنافس في العالم ؟ الجميع يعرف أن تونس تقوم منذ الأزل على الزراعة والتجارة والخدمات قبل كل شيء، فلابد من فتح الباب امام المستثمر التونسي والأجنبي لينافس ويفتح لنا أسواق جديدة.
كما أننا اليوم في حاجة إلى تطوير الخدمات ذات الجودة المميزة، وهو ما قد يجلب للبلد العديد من الاموال والاستثمارات بعيدا عن البيروقراطية والفساد اللذين انهكا الإدارة والسوق على حد سواء.
لماذا لا نتبع سياسات ثورية انفتاحية مثل بعض الدول التي لا تملك ثروات طبيعية مثل موريشيوس وجورجيا وقبرص ومالطا واستونيا وباناما وغيرهم كثير؟
لماذا لا تكون تونس “جنة ضريبية” للأجانب والتونسيين؟
عندما تكون تونس بقوانينها وخدماتها ملجأ للمستثمرين الأجانب بمن فيهم المتهربين من شطط الضرائب في بلدانهم، فستكون هناك عائدات كبرى للدولة مباشرة وغير مباشرة وهو ما من شأنه أن ينعش الاقتصاد الوطني في فترة وجيزة.
لماذا لا يفتح المجال بأكثر ليونة وسهولة للأجانب ولما كل هذا الخنق للاقتصاد التونسي تحت حجج واهية كمحاربة تبييض الأموال وغيرها؟ النمسا اليوم هي أكثر دولة متساهلة في قلب أوروبا مع تبييض الأموال… اما سويسرا فكانت ولا تزال ملاذ الأموال المهربة وملجأ للمتهربين من شطط الضرائب…
لابد اليوم من علاج اقتصادنا المتهاوي بالصدمة، وذلك عبر تغيير دفة الاقتصاد مائة وثمانين درجة، نحو أكثر انفتاحا وحرية وبأكثر جرأة وشجاعة. فالمنظومة الاقتصادية في تونس اليوم غير مفتوحة إلا لمجموعة من اللوبيات والمتنفذين وهو في الواقع اقتصاد ريعي أنهكته العديد من القوانين المعيقة من حيث التوريد والتصدير والترويج وتكوين الشركات.
فالاقتصاد الحر لابد فيه من فتح القوانين والمجالات للجميع بما يضمن التنافس وتكافؤ الفرص للجميع. فكل من يريد فتح حسابات بالعملة الصعبة له ذلك وتتم فتح كل التسهيلات أمامه مثل ما يجده المستثمر في دبي وإسطنبول ومالطة وجزر الموريشيوس والسيشال وبنما، دون مخاوف أو تضييقات لامبرر لها.
ومهما كانت من سلبيات لهذه التسهيلات والتحرر من القيود إلا أن الإيجابيات أكثر وحاجتنا لهذه الأموال اكثر بكثير.
فالصدمة اليوم لابد من علاجها بالصدمة، فلابد إذا من تتطويع كل القوانين والخدمات والإجراءات نحو اقتصاد مفتوح لكي تصبح تونس “جنة ضريبية” للمستثمرين بدون تعقيدات. ولابد من تخفيض كل المعاليم الديوانية والجمركية والضريبية من أجل تنفيذ هذه الإصلاحات المهمة والتي من شأنها إنقاذ الوضع التونسي.
وليست هذه الحلول بجديدة فهي معمول بها في أكثر من دولة مرت بنفس ما تمر به بلادنا اليوم من اختناق وكساد اقتصاديين متواصلين وخطيرين، وأنقذتها من الكارثة.
فالجرأة اليوم في معالجة الوضع الاقتصادي هو المرور إلى جعل تونس”جنة ضريبية” وتخفيف القيود على التجار والمستثمرين، بضريبة على الدخل والارباح قدرها 10 في المائة وجمارك 10% وضريبة قيمة مضافة 10 %، ومن أراد فتح الشركات أو حسابات بنكية بالعملات الصعبة لا تتم عرقلته أو سؤاله من أين لك هذا؟ وهذا طبعا من أجل ضخ اموال جديدة في الاقتصاد الوطني وإيجاد ظروف ايجابية للصدمة المنقذة للحياة… كما يجب إعادة النظر في طريقة تحصيل الجباية وتحويلها لرسوم سنوية مثل معلوم الجولان الذي يدفع للسيارات.. ومن ثمة تشديد العقوبات في التهرب الضريبي بعد تخفيض نسب الضرائب كما أسلفنا، فلن يكون حينها تهرب ضريبي بالقدر الموجود حاليا وبالتالي لن تكون هناك أزمة بالشكل الراهن. وعندها فقط سنتحدث عن تحرير الاقتصاد والاقتصاد المفتوح والتنافسي الذي سينقل البلاد إلى مراتب أخرى أكثر تقدما.
ما ينقصنا هنا فقط هو الجرأة والمخاطرة واتباع سياسة العلاج بالصدمة، لا الترقيع ومزيد الارتهان للسياسات الخارجية.
وربي يقدر الخير