مصير الطغاة والقَتَلة واحد
زهير إسماعيل
الشعب اليمني بين ثلاثة قتلة:
القاتل الأوّل: علي عبد الله صالح وقد لقي حتفه اليوم، ورغم بشاعة ما بُثّ من صور مقتله، فإنّ الرسالة الأقوى هي تذكير كلّ طاغية بالمصير الذي ينتظره. فعبد الله صالح الذي قهر شعبه (بمن فيهم الحوثيين أنفسهم) ومزّق وحدته وقتل أحراره لأكثر من ثلاثين عاما، يلقى مصيرًا مروّعا حزينا.
القاتل الثاني: آل سعود وتحالفهم الذي نجح في تدمير المدينة اليمنيّة. وآل سعود كانوا أوّل خصوم الثورة وهم من خطّط للانقلاب عليها بواسطة علي عبد الله صالح، وعلى الحوار الوطني ومخرجاته في المصالحة الوطنيّة. وكانوا مع أبناء، موّلوا الانقلاب على ثورة 25 يناير في مصر، ضمن مشروع صهينة قديم بدأت تظهر ملامحه للعلن مع بن سلمان.
القاتل الثالث: عبد الملك الحوثي، وهو شريك علي عبد الله صالح في الانقلاب على الثورة والمصالحة الوطنية واحتلال العاصمة صنعاء. ساهموا في تمزيق وحدة اليمن وتلطّخت أيديهم بدماء الأبرياء.
للحوثيين قوّة تنظّم معتبرة، ودعم قويّ من إيران (رغم اختلافهم المذهبي معها، وهو اختلاف جزئي)، ولكنهم يبقون أقليّة عقديّة، ولا يُنظر إليهم في اليمن إلّاٰ على أنّٰهم طائفة صغيرة، ولذلك لا يمكنهم أن يكونوا جماعة وطنيّة، رغم حديثهم بمتطق المرجعيّة الوطنيّة والتحدّٰث باسم الدولة وأجهزتها الرسميّة.
مقتل علي عبد الله صالح، قد يمكنهم من التفوّق العسكري الميداني السريع، ولكنّه سيبعثر التوازنات القبلية الهشّة ويؤجج الصراعات القبلية في غير صالحهم.
صوت الثورة ليس وهما، فقد عبّٰر عنه اليوم أحد الجامعيين (تكلّم باسم الثوار) معتبرا أنّٰ اليمن تخلّص، بمقتل صالح، من الطاغية الأوّل، وسيتخلّص من الطاغية الثاني عبد الملك الحوثي. وأن يتوقّف عدوان التحالف. وأن يعود الجميع إلى مربّٰع المصالحة الوطنيّة التي تبلورت نتيجة تعثّر الثورة وصمود صالح بفضل الدعم السعودي.
مقتل صالح سيوسّٰع من المعركة بين القاتليْن المتبقيّيْن، وهي حرب لن تتوقّٰف عند حدود اليمن فشروطها قائمة من بغداد إلى جدّة. وستكون المنطقة مجالا لحرب بين المشروع الإيراني والمشروع الأمريكي الصهيوني (آل سعود وآل نهيان وتوابعهم مجرد أذناب). ويبقى الدور الروسي مُخْتلف فيه، يراه البعض لاعبا مستقلا قد تلتقي مصلحته مع الإيرانيين، ولا نراه إلاّ مخلب الغرب المتصهين. لذلك تجتهد إيران في استنساخ نموذج حزب الله في كل بلد نجحت في تطييفه (اليمن، سوريا، العراق).
وهي ليست حرب تحرير وتقرير مصير بقدر ما هي حرب إقليميّة توسّعيّٰة جعلت من المجال العربي العاجز عن القيام ميداناً لحربها وموضوعًا للهيمنة. وهي ليست حرب بين الثورة والثورة المضادّة وإنّٰما هي حرب داخل الثورة المضادّة التي نجحت، رغم صراعها واختلاف مصالحها، في الاتفاق على تصفية الثورة وتوق المجال إلى بناء كيانه السياسي والاقتصادي الاجتماعي الموحّد الحر والمستقل.
معركة إيران والمشروع الأمريكي الصهيوني تبدو كالقدر المعلّق بالمستقبل، ولكن هناك فرق بين أن تخوض إيران هذه الحرب وهي لا تختلف في مناهضتها لثورة المجال العربي (دعك من أسطوانة الخصوصية السوريّة) عن المشروع الأمريكي الصهيوني، وبين أن تخوضها وهي الداعم الأقوى للثورة والمانع لكل تعارض بين المقاومة والثورة في المجال السوري.
إيران اختارت أن تكون بديلا مذهبيا متوترا وخصما قوميّا متعاليا وقوة إقليمية توسعيّٰة بدل أن تكون حليفا للمجال العربي الجار ونصيرا للمستضعفين…
في سياق هذه المعركة وعلى أنقاضها سترتسم ملامح المستقبل.