“الوطنية” 1 : مولد النبِيّ بعرض الرّاقصة والمُؤدّب
سليم الحكيمي
اتحفتنا قناة 7 ليلة المولد بعرض جمع بين مدح النبي وراقصة… هو نسخة من عرض للقناة الثانية الفرنسية لليمين الصهيوني سنة 1998، دعت فيه وفدا من ائمة باريس لنقاش علاقة الجالية بقيم الجمهورية، ثم اعلنت المذيعة تقديمها انموذجا من الفن الاسلامي، فأقبلت راقصة “تتمايل على انغام الرضا والنور”، اثنت بعدها المذيعة عن علاقة الفن بالدين !!
الشُيوعيون الذين يسيطرون على اجهزة الدولة الايديولوجية وكل ادوات توجيهها المعنوي، هم من يحكمون فعليا بانتشارهم في مفاصلها بنسبة 80 بالمائة، مستفيدين من كل العهود استبدادا وحرية. وهم المشرفون على تشكيل الوعي ومسخ الفنون ومعاني الدين، احتفلوا بعصر التخلص من الاسلاميين في التسعينات، بمشروع “النُّوبة” الماجن المقرف الذي جمعوا فيه سَقط المنحرفين، ثم ثَنّىوا بـ”الحضرة” الذي ظهرت فيه “محبّة” الشيوعي “للاسلام المسيحي” في عروض “التخميرة” و”الحضرة” و”الزكرة”.. و”الزردة”.. وصارت السلامية التونسيّة “مزاودية بالجبّة”، مسخا “دينا ودنيا” تفتتح سهرتها بالقرآن والوقار وتنتهي بالاستهتار. لينسجم الدين مع مفهوم ماركس: “هو تنهيدة المضطهد، إنه أفيون الشعب”. فاثمر جيلا متخمّرا او مخمورا. وتواصل المكر بتمجيد غربة المسلم في خطب الجمعة النوفمبرية، “وطوبى للغرباء” ويكفي للمسلم التونسي أجر الصبر عليها.
في تقريرها الصادر الى إدارة البيت الابيض سنة 2010 حول الحركات الاسلامية، تحدثت مؤسسة “راند” الامريكية، عن الطريقة المثلى للتعامل مع المجتمعات الإسلامية. اوصت بدعم الحركات الصوفية في مواجهة الوعي الاسلامي المتنامي بحقائق الدين في المنطقة. وطالبت بنشر الدروشة عند العوام. وهو ما يفسر الحرص الثقافي في تونس على “الخرجة” و”الدخلة” وتشجيع الاسلام الانفعالي وصب كل مشاعر الاسلام الشعبي العميق الصّادق في الترهات الفلكلورية. كان يمكن ان يكون موضوع خطب الجمعة عن ثقافة المقاطعة للزقوقو كاحد مظاهر قمع الشهوات. فقد اقبل الناس إلى الخليفة عمر وقالوا: (غلا اللحم فسعّره لنا، فقال: أرخصوه أنتم!) فقالوا هل نملكه حتى نرخصه ؟ قال: اتركوه. وقيل لإبراهيم بن أدهم “إن اللّحم قد غَلا”. فقال: لا تشتروه فتُرخصوه”.
ولكن كما ذكر الدكتور أحمد خيرى (إن كل خطب الجمعة عند العرب تقوم على أفكار مكتبية وليست ميدانية، ولذلك صارت عديمة الحدوى).
تاريخيا، قاطع التونسيون يوم 8 فيفري 1912 ترامواي العاصمة التابع لشركة فرنسية بعد دهس طفلا وسط احتقان ضد الشركة بسبب ممارستها التمييزية ضد عمالها التونسيين. شكلت المقاطعة محطة هامة في تاريخ الحركة الوطنية التونسية وتجربة عربية أولى للاحتجاج السلمي في مواجهة الاستعمار. ليكون التونسيون اول شعب عربي يقاطع خدمات مستعمر.
سبقت الحادثة الاسطورة الهندية في مسيرة الملح لغاندي زعيم الهند، يوم 12 مارس 1930 ومعه 79 فردا قطعوا فيها مسافة 300 كم استمرت أسابيع من أجل إعدام الملح المستورد بعد أن حرّمت بريطانيا على الهند استخراجه، قام غاندي باستخراجه بنفسه، وحرض شعبه على ذلك؛ لكي يضرب مثلا لجميع المتضررين من الاستعمار المثل على إيجاد بدائل للسلع التي تتم مقاطعتها. وظلت المسيرة في كتب التاريخ أول حركة عصيان مدني.
“الثورة الدينية” فيها العمل اليوم على قدم وساق على علمنة الاسلام وتجنب ذكر الصوفية الحقيقية المعادية للاستعمار، وتوسعة طبقة العوام حتى يسهل انقيادهم، وجعل الاسلاميين يواجهون في الوقت نفسه التدين المغشوش والحالة السائبة في المجتمع والمفاهيم السائلة. معركة الوعي هي ام المعارك وما قدمته القناة المحتلّة من وجوه اعلامية احترفت التقيّة الشيوعية، سيجعل الضحك على ذقون اهل القيروان متواصلا، بوصفها بانها “ام المدائن”، وهي لمن زارها، العنوان الابرز لتهميش الدولة الشّامل، إذ جعلوا من فسقية الاغالبة فيها مزبلة، وأُهمل رمزها الشيخ الجليل “عبد الرحمان خليف”، ونُسي فيها اكبر مؤذني تونس والعالم الاسلامي “علي البراق”. لتبقى، فقط، مدينة “حلويات المقروض”، وهي في مذهب التاريخ مدينة الصحابة، قيادية في التاريخ الاسلامي، صدّر منها الاسلام الى افريقيا والاندلس واوربا…