حسين السنوسي
1. لا يعنيني الجدل المملّ والعقيم الذّي يعود كلّ سنة حول جواز الإحتفال بالمولد النّبويّ الشّريف أو عدم جوازه.
2. أليس من حقّ الذّين يحبّون رسول اللّه أن يعبّروا عن سعادتهم بقدومه إلى العالم وأن يعبّروا عن هذه السّعادة في سائر الأيّام وفي اليوم الذّي يفترض أنّه ولد فيه؟
3. نحبّ رسول اللّه إذن ولنا في الإحتفال بمولده طرق بعضها لا يتغيّر بمرور الزّمن وبعضها الآخر يمليه الوضع الحالي للأمّة وللعالم من حولنا : نصلّي ونسلّم عليه عملا بالأمر الذّي بدأ فيه اللّه تعالى بنفسه وثنّى بملائكته، ندعو لأنفسنا ولغيرنا بأن نكون من الذّين ” نصروه وعزّروه واتّبعوا النّور الذّي أنزل معه”، نعمل ونتعلّم اقتناعا منّا بأنّ العلم والعمل هما الطّريق إلى الخروج بأمّته من وضع “كغثاء السّيل” إلى وضع “وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين”، نذكر معاناة أبناء أمّته في دار الإسلام وخارجها لأنّ من لم يهتمّ بأمر المسلمين فليس منهم، نتبرّأ من الجرائم التّي ترتكب باسمه ونعتبرها من عمل الشّيطان، نتذكّر أنّه ما أرسل إلّا رحمة للعالمين فنبرّ إخواننا في الإنسانيّة الذّين لم يقاتلونا في الدّين ولم يخرجونا من ديارنا ونقسط إليهم.
4. يحبّ رسول اللّه في مشارق الأرض ومغاربها ويحتفل بمولده رجال ونساء يذكرونه يوميّا في صلواتهم وخارجها ويعتبرونه قدوتهم ويغضبون له بل ويصفعون بنعالهم من يتحدّث عنه بما لا يليق.
5. لكلّ واحد من هؤلاء مع رسول اللّه علاقة فريدة تقوم على الأحاديث -القليلة أو الكثيرة- التّي يحفظها وعلى وقائع من السّيرة سمعها فأثارته فاحتفظت بها ذاكرته.
6. هناك حكاياتٌ بسيطة أبطالها مسلمون بسطاء يعيشها الواحد منّا أو يشهدها أو يسمعها فيدرك عمق هذه العلاقات الفريدة التّي لا نعلم لها مثيلا أو شبيها عند الأمم الأخرى.
7. حدّثني بعض من أعرف قال : شهدت مرّة صلاة الجمعة في مسجد من مساجد العاصمة وكان موضوع الخطبة الأيّام الأخيرة في حياة الرّسول الكريم. تحدّث الإمام عن بداية الوجع النّبويّ الشّريف وعن حواراته الأخيرة مع عائشة وعن قوله “بل الرّفيق الأعلى” وعن إنابته لأبي بكر في الصّلاة وعن وصاياه لأهله وأصحابه وعن اعتذاره للنّاس ثم وصل إلى حيث كان لا بدّ أن يصل فقال “مات رسول اللّه!” وما إن قال ذلك حتّى أجهش نصف المصلّين بالبكاء.
8. أحد أصدقائي كان من عائلة مسلمة لكنّه كان يعتبر نفسه ملحدا. فاجأني يوما بالقول إنّ أعظم البشرفي رأيه هو محمّد بن عبداللّه. قلت له إنّي أتمنّى أن يذهب في إكباره للنّبيّ الكريم إلى آخر الطّريق. بعد ذلك بسنوات رحل فبكيته مرّتين: مرّة لفقدان الصّديق ومرّة لأنّ الصّديق لم يسر في الطّريق إلى نهايته.
9. أحد عمّالنا المهاجرين كان شديدا في علاقته بنفسه وبغيره حتّى ليظنّ من يعرفه أن لا مكان لديه للأحاسيس أو على الأقلّ لإظهارها لكنّه كان إذا تحدّث عن رسول اللّه يلين ويرقّ ويحبّ أن يردّد “شوفوا سيدنا قدّاش يحبّنا” وعيناه تكادان تفيضان من الدّمع.
10. أحد الصّالحين -إن شاء اللّه- كان “الأمن” في العهد البائد يضايقه. في يوم من الأيّام كان جالسا في غرفة يؤّدي بابها إلى الشّارع فسمع خطوات تقترب من الباب فقال خائفا “أمن ؟!”. لم يكد يتمّ كلمته حتّى دخل محمّد بن عبداللّه -صلّى اللّه على محمّد بن عبداللّه- ودخل معه الأمن. قال صاحبي “قمت إليه ورجوته أن يسمح لي بتقبيل خاتم النبوّة بين كتفيه فأشفق عليّ من ذلك لكنّي بعد ذلك بقليل وجدت نفسي قد توصّلت -لا أدري كيف- إلى الخاتم وقبّلته”. حرمه “الأمن” من الأمن فوجده عند رسول اللّه.
11. هذا هو محمّد: يراه الخائف في منامه فينزل ذلك عليه بردا وسلاما ويبكيه “إخوانه” (حسب التّعبير الوارد في الحديث) بعد موته بأربعة عشر قرنا وتلين قلوب الأشدّاء والأجلاف لذكره ولا يجد ملحد في تاريخ الإنسانيّة رجلا أعظم منه.
12. من حقّنا إذن أن نسأل ونحن نعلم أن محمّد هو هذا وأنّه أكثر من هذا: كيف لأمّة هذا نبيّها وهذه علاقتها بنبيّها أن تكون في هذه الحالة؟
13. هذا سؤال جوهريّ لكنّنا ما بدأنا هذا الحديث لنجيب عليه بل لهدف أبسط من ذلك بكثير.
14. يقول أمير الشّعراء “أبا الزهراء قد جاوزتُ قدري بمدحك بيد أن لي انتسابا” ونقول قياسا إنّنا ما كتبنا هذا الحديث إلّا لكي نضيف إلى قائمة الطّرق التّي نحتفل بها بالمولد النّبوي الشّريف طريقة لم نجرّبها من قبل: شرف الكتابة عن رسول اللّه.