إيران وإسرائيل مستويا تقييم دورهما في الإقليم

أبو يعرب المرزوقي
عيب علي اعتبار إيران اخطر على العرب والإسلام من إسرائيل ظنا أني اعتبر إسرائيل ارحم بنا منها. وهذا دليل على أن المواقف عند الناظرين إلى سطح التاريخ ليست مبنية على قيم كونية. ذلك أن العداوة بين البشر لها مستويان: ظرفي وجزئي ثم بنيوي وكلي. وكمال الموقف يكمن في تطابقهما.
لذلك فلا بد من النظر في الموقف من إيران واسرائيل بهذا المعنى. وقد اردت أن اشرح ذلك ليس للدفاع عن موقفي فقد شرحته عديد المرات ويكفي القول على المستوى الجزئي التاريخي الظاهر فإن هدف اسرائيل وإيران واحد. كلاهما يريد استرداد امبراطورية متقدمة على الإسلام.
ولأن الهدف واحد والمطلوب واحد فينبغي أن يبدو طلبه منهما تنافسا عليه. وما تستطيعه إيران روحيا تعجز عنه إسرائيل وما تستطيعه إسرائيل ماديا تعجز عنه إيران. فإيران من الإقليم ومن داخل الإسلام. لذلك كانت استراتيجيتها في الصراع الروحي كافية لجعل من تستعمرهم روحيا أدوات تحقيق غايتها.
أما اسرائيل فاختارت استراتيجية روحية يمكن أن تجند لها القلة من النخب الحداثية الذين لا يتجاوز دور مليشيات القلم وليس مليشيات السيف وهي غنية عنها ويكفيها أن تخترق مليشيات السيف السنية وحتى الشيعية في تنافسها مع إيران على احتلال الارض في المعركة المادية.
إيران تستهدف الشعب عامة والنخب التي تعينها مرتزقة حتما: لأنه لا يمكن لعاقل يمكن أن يفضل إيديولوجية الوسطاء روحيا والأوصياء سياسيا ثم يدعي أنه يقاوم من أجل الحرية والكرامة وما أظن المدافعين عن إيران وحزب الله اغبياء حتى يكونوا جاهلين بهذا التناقض الجوهري.
إسرائيل تعلم أنه لا حظ لها مع الشعوب فتستهدف النخب التي يمكن أن تكون مغترة بأقوال الحداثيين ولا يرون أن إسرائيل أيضا من نفس طبيعة النظام الإيراني في الجوهر: فهي مثلها تقول بالوسطاء (هم الشعب المختار) وبالأوصياء (أصحاب سلطان العجل الذهبي أي المال والأيديولوجيا الحداثية).
لكن وجه الشبه لا يبرز إلا لمن يدرس البنى العميقة في العدوين المستهدفين استرداد امبراطورية على حساب السنة في الإقليم. وطبعا فمن لا يرى هذه البنية العميقة يتصور أن إيران “المسلمة” تقاوم إسرائيل المعتدية. وهو ما يخفي حقيقة ما يجري: فإيران تحتل من أرض العرب مائة مرة أكثر من إسرائيل.
وهي لا تحتلها بصورة قابلة للرجوع كما في حالة اسرائيل التي تحتل الأرض لكنها لا تستطيع احتلال الروح. الاستعمار الفرنسي مثلا في الجزائر كان احتلال أرض والمقاومة أخرجتها. وقد يرجعها العملاء الذين احتلت أرواحهم. لكن ذلك معركة من مستوى ثان نعود إليه بعد قليل.
نأتي الآن إلى المستوى الكوني. الإيراني والإسرائيلي عندي بشر وبهذه الصفة فلا ينبغي أن أحكم لهم أو عليهم من علاقتي بهم بل من علاقتهم بالقيم التي تجعل الإنسان كائنا حرا وكريما. فالآية 60 من الانفال تميز بين المستويين: عدوكم وعدو الله. الإضافة مضاعفة: إلي وإلى الله.
بالإضافة إلى أن إيران أخطر من إسرائيل لأنهما مشتركان في الهدف لكن إيران تستهدف الشعب والنخب التي لم تتجاوز العقل الشعبي وهؤلاء يسهل خداعهم لأنهم لا يتجاوزون التأثر بالأقوال ويعمون عن الافعال. وإسرائيل لا تستطيع استهداف الشعب لكنها أقدر ماديا من إيران.
والقدرة المادية مهما بلغت قابلة للعلاج السريع بخلاف القدرة الروحية التي هي من التاريخ المديد لأن تأثيرها يتسرب إلى الروح قطرة قطرة وهو وليد كل التاريخ (العلاقة بين السنة والشيعة) أما العلاقة بين اليهودية والإسلام فحسمها القرآن الذي هو اساس ثقافة الشعب.
ولأمر الآن إلى معنى “عدو الله”. لا أحد يستطيع معاداة الله والله لا يعادي مخلوقاته. فلا أحد ند له والعداوة مثل الصداقة لا تكون إلا بين الانداد. عداوة الله هي عداوة تشريعه لمخلوقاته عامة والبشر خاصة. فهو يريدهم أخوة (النساء 1) ومتساوين (الحجرات 13): عداوة الله هي الظلم والاستعباد.
ولهذه العلة لم يشرع الله الجهاد إلا في هاتين الحالتين: دفع الناس بعضهم بالبعض في حالة الاستضعاف وفي حالة منع الحرية الدينية. والأول سياسي والثاني روحي. وإذن فجوهر ما لأجله يدعونا القرآن لتحديد العداوة في المستوى الثاني الكلي هو عداوة من يلغي الحرية الدينية والحرية السياسية.
وفي هذا المستوى تجمع إيران بينهما ولا تهتم إسرائيل إلا بالثانية. لا تهتم بتهويد العرب والسنة بل باستعمارهم فقط. إيران تريد الاثنين: تشيعهم وتحتل أرضهم. والآن الغرب بدأ يفهم قوة الاستراتيجيا الإيرانية لأنه رأى أن سر الصمود هو الدين. فبدأ يحارب الإسلام ولا يكتفي بالاستعمار.
وهكذا نرى أن اعتباري إيران أخطر من إسرائيل يتطابق فيه الجزئي مع الكلي: هي عدوة لنا وعدوة لشرع الله الذي حرر الإنسان روحيا (لا وساطة بين المومن وربه) وسياسيا (لا وصاية على البشر). التشيع تحكمه الوساطة والوصية وهو يعتبر كل من لا يؤمن بهما كافر وحربه عليه إرهاب روحي ومادي دائما.
غير ان ايران ومليشياتها باطنية وحشاشية روحيا وإرهابية ماديا وهي بالإرهاب الروحي جعلت النخب العربية مليشيات قلم وجعلت الأحزاب الشيعية العربية مليشيات سيف ومن ثم فهي تحتل أرض العرب بأيدي أغبياء العرب الذين يتصورون أنفسهم نخبا ومقاومين وهم نخب مرتزقة وعامة مغسولة الأدمغة.

Exit mobile version