عبد القادر عبار
عجيبٌ أمر مياه الأمطار الأخيرة المنسابة من مرتفعات مطماطة والعابرة في وديانها عبر فيضانات متوحشة اجتازت منحدراتها وتضاريسها وافترست الأخضر واليابس.
وأعجب عجب هذه السيول القاتلة أنها غير عادلة إذ كشفت وعرّت عن قنبلة من إمضاءات الحرب العالمية الثانية كانت تحت الأرض في سُباتٍ دام 75 عاما… بينما أخفت وغطت وجحدت جثة شهيد الواجب الوطني والإنساني المرحوم “محسن بن عاسي” معتمد مطماطة.
وكأنها تقول.. حذار ! الحرب نائمة فلا توقظوها !
فاجعة مطماطة الأخيرة محّصت الرجال، وميزت أولئك الذين يحرصون ويصرّون على قضاء الواجب رغم الزمهرير، الذين يستشعرون مسئولية أمانة الواجب الوطني والإنساني حتى إذا خُيِّروا بين إنقاذ الولد أو إنقاذ المواطن، اختاروا المواطن.. وقد آثر الشهيد المفقود أداء واجب المواطنة على الواجب العائلي إذ رفض أن يعود الى البيت لأخذ طفلته الوحيدة المريضة الى الطبيب عندما أعلمته الزوجة بذلك وقال: أنا الآن في مهمة.. تصرّفي أنت.
وفي الوقت الذي اختار فيه البعض الفرجة في مباراة كرة القدم، اختار رجال الواجب، المسكونون بالشهامة والمروءة، الخوض في مباراة إنقاذ أرواح بشرية من أنياب الوديان وكمّاشات الفيضانات.. وكأني بالشهيد المفقود رحمه الله تبنّى مقولة سيدنا عمر رضي الله عنه الذي قال: لو عثرت بغلة بالعراق لخشيت أن يسال الله عنها لِمَ لمْ تمهد لها الطريق.. فقال هو لنفسه: لو غرق تلميذ في الواد أو هلك مواطن في الفيضانات لخشيت أن يسألني الله عنه: لِمَ لمْ تسعَ إلى إنقاذه.
الوطن في زمنه الرديء هذا، يحتاج إلى أمثال هؤلاء الذين يرفعون شعار “قضاء الواجب رغم الزمهرير”..