عبد الرزاق كيلاني
الحمد لله،
في اليوم 13/11/2017
النهضــة: المشكــل والحــل
بعد قرابة السبع سنوات من الثورة تعيش بلادنا وضعا اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا مأساويا.
• ففيما يتعلق بالوضع الاقتصادي والاجتماعي: فإن كل المؤشرات والأرقام تدل وان البلد على حافة الإفلاس وغارق في الديون وان البطالة والجريمة المنظمة تفشت بطريقة مفزعة إضافة إلى غلاء المعيشة والتبعية التي أصبح عليها البلد وتفاقم الفساد بالمقارنة مع ما كان عليه الوضع قبل الثورة وشباب في قمة اليأس والإحباط مما جعله إما ينتحر أو يركب بالآلاف قوارب الموت للهروب من البلاد كما تعيش البلاد في بعض الجهات توترات تذكرنا بالأشهر الأخيرة قبل هروب الرئيس السابق.
• وفيما يتعلق بالوضع السياسي: تشهد البلاد عودة قوية لرموز المنظومة القديمة وتقديم هؤلاء الرموز على أنهم رجالات اكفاء متناسين أنه بواسطة هؤلاء الرموز قاد بن علي البلاد إلى الوضعية الكارثية التي آلت إليها قبل هروبه.
إضافة إلى هذا أصبح خطاب بعض السياسيين مستفزا لمشاعر التونسيين والشباب الذي قاد الثورة فرئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي الذي حسب الدستور يمثل رمز الوحدة الوطنية يتحدث عن الثورة بأنها قوس فتح وأغلق متنكرا لها ولشهدائها ولجرحاها رغم أنها هي التي أوصلته إلى المناصب العليا في البلاد من رئيس للوزراء إلى رئيس الجمهورية وهو ما علق عليه الصحفيين Frédéric Boudin و Mohamed Haddad في مقال تحليلي بجريدة Le Monde بتاريخ 8/9/2017 بعنوان :
En TUNISIE
« Le retour feutré d’anciens de Ben Ali »
جاء فيــه:
“Rien ne serait pire pour la stabilité de la TUNISIE que se renforce l’impression que le printemps de 2011 n’a finalement pas eu lieu.”
واصبح الحديث عن التوريث أمر عادي فابن رئيس الجمهورية “يقود” الحزب الحاكم لا إثر مؤتمر ولا انتخابات وإنما “بتأييد الوالد” مما أدى إلى إنهاء هذا الحزب تقريبا بسبب محدودية المسؤول الأول عنه ورفض الأغلبية المنتسبة إليه لمنطق التوريث أما فضيحة افراغ كرسي ألمانيا في البرلمان لتنصيب ابن الرئيس والذي سيكلف صندوق الدولة قرابة 000،د500.000 فهي لا تحصل حتى في جمهورية “الموز” (عدل ابن الرئيس عن الترشح بعد الحملة التي شنت ضده حتى من الندائيين)
أما الإعلام المأجور الذي يحتل رموز معروفون في النظام السابق مختلف منابره ويتناوبون كل يوم وليلة لبث السموم في محاولة لزرع الفتنة بين افراد الشعب الواحد فإنه يستغل كل الفرص للتشكيك في الثورة والحديث عنها بأنها في الحقيقة فوضى ويحرضون على رموزها ويتعاملون مع شباب قوارب الموت بالحقرة ويروجون للخطاب الهابط والمنحط فقد أفسد العباد ودمر البلاد.
أما ما سمي بحكومة الوحدة الوطنية فإن رئيسها هو في حقيقة الأمر والواقع شخص مسلوب الإرادة والسلطة وحربها على الفساد أصبحت شعارا فضفاضا إذ لم نشهد محاسبة سياسي واحد من أجل ملف فساد رغم اتهامات بالفساد مست العديد منهم ولم يعد أحد يتحدث عن الأموال المنهوبة والموجودة بالخارج وفي نفس الوقت ورغم التظاهرات واللقاءات والندوات والإعلانات والدعاية فإن الفساد ينخر البلاد ويتفاقم من يوم إلى آخر لأنه لم تتوفر الإرادة السياسية الصادقة ولم توضع الإصبع على الداء.
وإضافة إلى كل هذا تشكلت هاته الحكومة في حركة استفزازية لمشاعر التونسيين إذ يحتل فيها رموز “نظام بن علي” المكانة المرموقة مما أثار استغراب وحتى استهزاء أصدقائنا في الخارج وما كتبته جريدة “لوموند” في المقال المذكور تعبير على ذلك وتلى هذا مباشرة المصادقة على قانون ما سمي بـ”المصالحة الاقتصادية” هذا القانون الذي أقر العفو على الفاسدين دون معرفة الحقيقة والمساءلة والمحاسبة وفي خرق صارخ لقانون العدالة الانتقالية ولدستور البلاد ونتيجة لهذا الوضع وحسب سبر للآراء فإن 83 % من الناخبين أعربوا على رفضهم المشاركة في الانتخابات و 3% فقط سينتخبون النداء و3% النهضة وهو ما يدل أن الثقة افتقدت في الطبقة السياسية ولم يعد سياسي واحد يصدقه الناس أو يثقون فيه.
كذلك اهتزت ثقة الشعب في مؤسسات الدولة من قضاء وإدارة وأمن كيف لا ونحن نعيش وضعا لم يكن يتوقعه أحد وهو أن الحزب الذي اسقطته الثورة يحكم اليوم مع الحزب الذي انتخبه الشعب لقيادة الثورة بنسبة قاربت 40 % إذ بعد أن لملم التجمعيون صفوفهم رجعوا من الباب الكبير عبر انتخابات 2014 التي قاطعها اغلب الشباب والقوى المناصرة للثورة وأصبح المشهد الذي نعيشه اليوم أن جزءا من الطبقة السياسية منها الحاكمة ومنها من في المعارضة يتمعشون بتصديهم لما يسمى بخطر الإسلام السياسي والإخواني وأصبح رفع هذا الشعار بمثابة الأصل التجاري الذي يستثمرونه داخليا و يرهنون بواسطته الإرادة الوطنية التي أصبحت متحكم فيها من الخارج والأزمة الاجتماعية والاقتصادية التي تعيشها البلاد مرتبطة ارتباطا وثيقا بالأزمة السياسية فالتحالف السياسي مغشوش من أساسه ولا يمكن أن يؤسس لتشكل حكومة تكون قادرة على قيادة البلاد وتبعث رسائل طمأنة للمستثمرين سواء في الداخل أو الخارج.
ووجدت حركة النهضة نفسها بدعوى التوافق والظرف الدولي المعادي للحركات الإسلامية رهينة لحزب النداء الذي لم يتوقف جزء كبير من أنصاره وجوقة الاستئصاليين الآخرين عن تحميلها كل المصائب التي حلت بالبلاد من اغتيالات وعمليات إرهابية ووضع البلاد الاقتصادي والاجتماعي الكارثيّ.
وباسم التوافق واكراهات الظرف الدولي المذكورين رهنت النهضة كل أحلام وتطلعات شعب أنجز ثورة ذات أهداف واعدة جلبت اعجاب العالم بأسره وحدت الشعب بعد حقبة طويلة من نظام القمع والفساد من أجل تحقيق الحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة ومحاربة الفساد ويجب أن تعترف النهضة أنها تتحمل مسؤولية كبرى في عدم تحقيق جل أهداف الثورة لأنها أمنت من خلال انتخابات 23/10/2011 على تحقيق هاته الأهداف وفشلت والبلاد اليوم في مأزق بعد قرابة سبعة سنوات من الثورة.
والحزب الوحيد في البلاد المهيكل وله قواعد قارة وقاعدة شعبية واسعة تؤثر في أي انتخابات وحملت لعقود مشروعا اصلاحيا واجهت به الظلم والقهر وقاد رجالها ونساؤها نضالات أدت بهم إلى السجون والتشريد والتضحيات الجسام التي لا يقدر عليها انسان عادي هو حركة النهضة.
ورغم كل التنازلات فالبلاد في أسوأ حالاتها بل وفي تراجع مخيف منذ الثورة وأصبح الحديث متواترا عن إمكانية حصول أحداث خطيرة بالبلاد ستنسف لا قدر الله كل ما أعطته لنا من هامش من الحريات وكل مسار الانتقال الديمقراطي (الندوة الصحفية الأخيرة للشيخ الغنوشي).
فمن أجل حماية البلاد والعباد فإن الأمل ربما الوحيد للخروج من هذا المأزق هو اقدام النهضة على اتخاذ قرار شجاع يتطلب مراجعة شاملة على غرار ما قامت به بعض الأحزاب الديمقراطية المسيحية في أوروبا ومنها المانيا (حزبي CDU برئاسة السيدة مركل و CSU الحزب البفاري اللذان يحكمان الآن البلاد وهما حزبان مرجعيتهما مسيحية) وذلك بإعلان انصهارها بقياداتها وقواعدها ومناصريها واصدقائها في حركـة وطنيـة تصحيحيـة تجمع كل احرار هذا الوطن من قوميين ويساريين غير استئصاليين ومستقلين ومؤمنين بالعدالة الاجتماعية كــلّ هـؤلاء الذين ينتمون إلى شعب متعلم متمدن مسالم متجانس، عرب ومسلمون وسنة ومالكين وتحت راية المبادئ التي جاء بها دستور 27/1/2014 واهـداف ثورة 17/12/2010 وذلك في مواجهة كل الذين يدعون إلى الاقصاء والاستئصال ويدسّون كل يوم سموم الحقد والكراهية ويشتغلون على أجندا مخطط له وممول من الخارج ويدعون إلى عودة المنظومة القديمة برموزها وممارساتها القمعية التي بدأت شرارتها تظهر للعيان وعلى كل واحد من هؤلاء أن يعترف بأخطائه وينشر نقده الذاتي ويتخلى بعضهم عن نرجسيته وأنــانيّته من أجل مصلحة البلاد حتى يتمكن الجميع من الانطلاق في بناء المشروع الوطني التحرري الاجتماعي الذي حلم به أجيال من التونسيات والتونسيين.
عــاشـت الثــورة والخــزي والعــــار للعــملاء وأعــداء الثـــورة.
عميد المحامين الأسبق