من طرائف حياتي الدينية ! (5)

بشير العبيدي
#بسمة_اليوم |
لقد عشتُ مواقف إنسانيّة غاية في الطّرافة والغرابة، بيد أنّني أذكر مُلحاً منها غلبت ما دونها لشدّة اتصالها بنمط التفكير! وهذه دُفعة جديدة منها على الحساب:
جريمة تعليم النِّسَاء !
تعرّفتُ في باريس على شاب فرنسيٍّ أشقر اعتنق الإسلام، وكان ماهراً في طبخ فطائر البيزا، وذلك عندما سمعني مرّة أخاطب ابني بالفصحى، فارتمى عليّ يحتضنني سرورا، ويكلّمني بلغة عربيّة فصيحة صافية، وكان ذلك سببا في الصّحبة. وكنت يومها أدرّس العربيّة للكهول في مدرسة قريبة من محلّ عمله، فرأيت أن أدعوه لدرسي، طمعا في تشجيع الشباب الآخرين لتعلّم العربيّة مثله. فجاء في الْيَوْم الموعود، وما كاد يلج باب القسم حتّى أبدى ذهولا غير عاديّ، وأصابته الصدمة فقال مشدوها: أنت الأستاذ بشير تدرّس في قسم فيه النِّسَاء هذا اختلاط! وهرب بجلده، ولم يلتفت إليّ، وقاطعني إلى يوم النّاس هذا ! وكانت فتيات مسلمات عفيفات في قسمي، اصطففن في ناحية بعيدة عن الرِّجَال وكلّهن يلبسن لباس الستر ! فلما رآهنّ فكأنّه رأى رؤوس الشياطين ! ولقد قصصتُ خبره هذا في كتاب خواطر الأنفاق بكل تفصيل، وإلى الْيَوْم أتذكر هذه الحادثة وأتعجّب في مآلات ما اقترفته أيديلوجيا القبح التي موّلها النفط العربي المتأمرك، ويقاسي من ويلاتها الْيَوْم المسلمون، في شتى أنحاء هذه الأرض الأوروبية، فلقد روّجوا مئات الكتب بالعربية التراثية المنبتة عن الزمان والمكان، وترجموا منها إلى الفرنسية مئات من الكتب أهدوها مجانا في أوساط الشباب أو نشروها في الشابكة على أوسع نطاق، خلاصتها الزعم بتحريم الديمقراطية والانتخابات، ووجوب الخضوع لولي الأمر تحت نير الولاء والبراء المزعومين، وأن شرّ الشرور الشرك والنساء وأن الأنثى في مذهبهم يصحّ لها خرجات ثلاث: خرجة من بطن أمّها إلى بطن الحياة، وخرجة من بطن الحياة إلى بطن زوجها، وخرجة من بطن زوجها إلى حفرة القبر ! وهذه النّابتة المسرطنة تستهلك الْيَوْم جلّ المجهود الفكري للمسلمين وتستنزف الطاقات وتعطل النهوض، ولله الأمر من قبل ومن بعد !
قصة عبد الودود الفرنسي…
قبل ربع قرن، تعرّفت على كهل فرنسيٍّ في أحد المساجد، وأعجبت بلطفه وظرفه، سمّى نفسه -وهو ليس مضطرا أبدا- عبد الودود. وكان أشقر يطيل شعره، وعيناه كحبّتي الأزرد في الزرقة، وكان يسكن في قرية نائية اسمها آرتيقات جنوب غربي فرنسا، وقد اجتمعت في تلك القرية أسر فرنسية اعتنقت الإسلام وأرادت أن تعيش حياة تخيّلتها بسيطة، مع دجاجات وشويهات في قلب الطبيعة الخلابة! وفِي يوم من الأيام، كنت أعمل في ورشة تعود لصديق لنا مشترك، فجاء عبد الودود وعرض عليّ أن أرافقه لشأن تجاري سريع، فذهبت معه، وتجاذبنا أطراف الحديث، وروى لي إعجابه الشديد بالمغرب الأقصى الذي يزوره في كل موسم، وفرح -وهو الصوفي- أنني ممن قرأ لمحي الدين بن عربي، ولجلال الدين الرومي، فكان الحديث ممتعا رائعا حين عرف مني تفاصيل لم يكن يعرفها عن الصوفية الشاذلية… وعندما وصلنا إلى مقصدنا، دخل إلى محلّ وأبطأ ثم خرج وفِي فمه سيجارة صغيرة رمادية اللون مفتولة باليد. فقلت في نفسي: لعله يُدخّن قبل إسلامه، فسكتُّ خوفا من أن أقول ما أندم عليه. ثم عدنا من حيث أتينا، ولما أكمل سيجارته قال لي: أنت المسلم الوحيد الذي لم يستغرب أنني أدخن. فقلت له: هذه حريّتك وحرّيتي تقف عند نصحك بتركه. فضحك، وبدا منه البشر والسرور وقال لي: هيا الآن نسرع للعودة، وضغط على دوّاسة السيارة ضغطة خرّ لها المحرّك، وانطلق في الطريق السيارة بسرعة ظننته سيقف فيها عند المسموح به وهو مائة وثلاثون كيلومترا في الساعة، فإذا به يصل إلى المائة والخمسين، فالستين، فالسبعين فالثمانين ! فشعرت بمصاريني تكاد تتقطع كبيت العنكبوت ورجوته ينزّل السرعة فأبى ! فأخذني الخوف، وتذكرت والدتي وزوجتي وابنتي، وقلت الْيَوْم نهايتي، فالرجل جنّ جنونه ومع ذلك كان يضحك علي من شدّة خوفي ! ووالله ما توقف حتى وصلنا إلى مكان الورشة عند صديقنا، فنزلت ولوني أزرق من الرّعب، واتجهت مباشرة إلى ناحية أتقيّأ -أكرمكم الله- فسألني صاحب الورشة عن السبب فأخبرته وَعَبَد الودود يضحك ! فجذبني صاحبي إلى ناحية وقال لي: نسيتُ أن أخبرك أن عبد الودود يتعاطى حشيشة المخدرات، يأتي بها من المغرب، وحين يدخّنها يصير في قمّة الزّهو والبهجة ! فراجعت شريط معرفتي بعبد الودود واجتمع أمامي صلوات المسجد، وقصص الصوفية، وحشيشة الزّهو والبهجة، وقلت هذه والله خلطة تخجل من سواد خضرتها خلطة الملوخية التونسية ! وكان آخر عهدي بمودّة عبد الودود…
!Le concours de pets 
اخترت أن أكتب عنوان هذه الحادثة بالفرنسية ! ومعناه بالعربية، أستسمحكم فأنا مضطرّ لذلك، (سباق الضراط !)
وذلك ان شابا فرنسيّا اعتنق الإسلام، وعرّفني عليه صاحب لي، وقال: حاول أن تعلّمه مبادئ الإسلام، فهو جديد ولا يعرف العربيّة. فدعوته يوما إلى منزلي، ومكث عندي أياما في ضيافتي. فسألته عن سرّ اعتناقه الإسلام، فأجابني بقوله:
– “كنتُ السنة الماضية أقوم بواجبي في الخدمة الوطنية في الجيش الفرنسيّ، وذلك في ثكنة عسكرية تقع في نواحي مدينة طولون على ساحل البحر المتوسّط. وكنت وزملائي الشّباب حين تنتهي الخدمة ونعود إلى مخادعنا داخل مبيت الثكنة، نشعر بالقلق والضّجر، فنعمل أي شيء للتسلية. فكنّا نتسلّى بعمل مسابقة في الضّراط، أي: من تكون ضرطته أشدّ من الأخر !!! وكان بجانب سريري شاب جزائريّ لا يشارك معنا في المسابقة أبدا، فسألته يوما عن سبب امتناعه، فقال لي أنّه ينام متوضّئا لأنه يصلّي في فراشه ! وهو بغض النظر عن ذلك يعتبر هذا العمل من الدّناءة وفراغ الفؤاد من أي قيمة. فأحببت ذلك الشاب وتأثرت به وحدثني عن الإسلام فأعجبني نظام الحياة والتفكير فيه، ولما أنهينا الخدمة اصطحبني صديقي الجزائري إلى إمام مسجد وأشهرت إسلامي !”
ولقد شككتُ في روايته بعض الشيئ، على عادتي في الشكّ قبل الاقتناع، وقلت له: كيف يتهيّأ للشباب كل ذلك الضراط في وقت واحد ! وهو ليس إراديّ بالضرورة ؟ فقال إن السبب يعود للأكل فهم يأكلون الطعام نفسه في الوقت نفسه، لا سيما وطعام الفرنسيين فيه التحلية بأكل الجبن، فهم الذين صنعوا من الجبن مائة وثمانون نوعا مختلفا ! والجبن موصوف بنفخ البطن !
فاقتنعتُ على مضض بالرّواية وقلت في نفسي ساخرا: سبحان الله ! واحد يسمع صوت العقل فيسلم… وواحد يسمع صوت القلب فيسلم… وواحد يسمع صوت الضراط فيسلم!
– يتبع –
✍? #بشير_العبيدي | صفر 1439 | كَلِمةٌ تَدْفَعُ ألَمًا وكَلِمةٌ تَصْنَعُ أَمَلاً |

Exit mobile version