أحمد الرحموني
رئيس المرصد التونسي لاستقلال القضاء
في ظل سكون محير وفي ليلة ما سمي “بموكب افتتاح السنة القضائية 2017-2018” توزع على القضاة وعلى المعنيين دعوات (كرتونية !) صادرة عن الرئيس الاول لمحكمة التعقيب ووكيل الدولة العام لديها لحضور ذلك الموكب يوم غد الخميس 9 نوفمبر2017 على الساعة العاشرة صباحا ببهو قصر العدالة بتونس مع الافادة بنص الدعوة ان الموكب ينتظم بحضور سيادة رئيس الجمهورية وتحت اشراف مجلس القضاء العدلي ووزارة العدل.
وفي هذا السياق -الذي لا ينقصه التشنج !- يمكن ان نلاحظ ان الاحتفال المزمع اقامته ربما ينفرد بوقائع غير مسبوقة لعل اهمها :
1. هو اول احتفال في ظل الشكل الجديد للمشهد القضائي خصوصا بعد ارساء مجلس اعلى للقضاء تطبيقا لدستور 27 جانفي 2014 يضم لاول مرة وفي هيكل موحد اصناف القضاء العدلي والاداري والمالي.
ومن المعلوم ان جدلا واسعا قد رافق مناقشة قانون المجلس نفسه (الذي يعتقد انه غير دستوري) واجراء الانتخابات التي تخصه فضلا عن الصعوبات التي تعلقت باجتماعه لاول مرة وتداخل الحكومة في تاجيج الازمة بين شقين متعارضين من الاعضاء على خلفية تسديد الشغورات في عدد من الوظائف القضائية.
ومهما كان فقد كان من المامول -لولا خيبة الامل !- ان يضمن المجلس الجديد تاسيس هيكل متوازن ومستقل في مستوى التصور الدستوري يكون بديلا عن الارث الاستبدادي للمجالس القضائية قبل الثورة وعن المرحلة الانتقالية التي امنتها دون خسائر كبرى (على الاقل بالنسبة للقضاة العدليين) هيئة وقتية للقضاء العدلي.
2. هو اول استئناف للاحتفال بمفتتح السنة القضائية بعد انقطاع لعام كامل بسبب اضطرابات الوضع القضائي المترتبة عن صعوبات ارساء المجلس الاعلى للقضاء ويخص ذلك السنة القضائية 2016-2017.
ويشار الى ان السنة القضائية 2010-2011 قد افتتحت في ظل المجلس الاعلى للقضاء المنحل قبل ان تستانف الاحتفالات في السنتين القضائيتين 2014-2015 و2015-2016 تحت اشراف الهيئة الوقتية للقضاء العدلي.
3. هو اول احتفال تتم مقاطعته من المجلس الاعلى للقضاء (برئاسته ووظائفه الوقتية) حسب ما قررته الجلسة العامة (التي تضم المجالس العدلية والادارية والمالية) بتاريخ 27 اكتوبر الفارط والتي اقرت كذلك “مقاضاة رئاسة الحكومة ووزارة المالية بخصوص قرار رفض فتح الاعتمادات المالية بعنوان 2017 لتمكين المجلس من التصرف فيها”.
4. هو اول افتتاح يتم الاشراف عليه من قبل مجلس القضاء العدلي ووزارة العدل بالنظر الى ان الاحتفالات السابقة قد تولت الاشراف عليها اما رئاسة الجمهورية او هيئة القضاء العدلي.
لكن في نفس السياق -الذي لاينقصه الغموض!- يمكن ان نتساءل على ضوء الدعوات الموجهة من الرئيس الاول لمحكمة التعقيب ووكيل الدولة العام لديها :
1- كيف يمكن ان تتم الدعوة من قبل عضوين اساسيين بالمجلس الاعلى للقضاء وبمجلس القضاء العدلي على خلاف قرار المقاطعة الذي صدر عن الجلسة العامة منذ ايام ؟.
وهل من الجائز ان يتمسكا ان الدعوة قد صدرت عنهما بناء على صفتيهما الوظيفية لا كعضوين بالمجلس الاعلى للقضاء؟.
2- كيف يمكن ان يشرف مجلس القضاء العدلي على موكب الافتتاح وهو جزء لا يتجزا من الجلسة العامة التي اقرت المقاطعة ؟.
وبقطع النظرعن ذلك هل من المناسب ان يستقل مجلس قطاعي (المجلس العدلي) بالاشراف على افتتاح السنة القضائية الذي لا يدخل صراحة في دائرة اختصاصاته المنصوص عليها بالقانون الاساسي المؤِرخ في 28 أفريل 2016 والمتعلق بالمجلس الأعلى للقضاء؟.
الم يصدر قرار المقاطعة عن الجلسة العامة للمجلس الاعلى للقضاء ؟. اليس المجلس بجميع اعضائه وجميع اصنافه (في هكيل موحد) هو المعني مبدئيا بافتتاح ذي صبغة وطنية حتى وان تم الاحتفال في دائرة محكمة الاستئناف ؟.
3- كيف يمكن ان يقبل اعضاء المجلس الاعلى للقضاء والحاضرون (في كل افتتاح) والفاعلون من المحامين ومساعدي القضاء والمتقاضون من الشعب الكريم اشراف السلطة التنفيذية (ممثلة في وزارة العدل) مرة اخرى على افتتاح السنة القضائية؟ كيف تشرف السلطة التنفذية على مواكب السلطة القضائية ؟ وماذا بقي لنا حتى نقاطع !؟
في ليلة افتتاح السنة القضائية: ماذا بقي حتى نقاطع !؟

أحمد الرحموني