تدوينات تونسيةمقالات

“يوم القيامة” السعودي؟!

نور الدين العلوي
يا إلهي أخبار قادمة من السعودية!! إنه أمر معجز للتحليل! فقد نشأنا على صورة بلد لا يتغير إلا بتدخل ملك الموت الذي يغير رأس النظام ويترك الجسم سليما، ثم نعود إلى الهدوء التام. لا خبر يأتي من هناك، إلا أن يكون تدخل السعودية في معركة بين العرب تصب فيها نارا على زيت؛ لينتشر قتار الأرواح المحروقة في الرقعة العربية. حتى أن البعض منا يحمد الله على أنه ليس بلدا جارا لآل سعود، فلا أحد في الخريطة العربية أمن بوائق هذا النظام.
استثناء وحيد في صورة البلد الجامد في المدة الأخيرة.. هو نشاط محموم لتعطيل قطار الربيع العربي. بدا للبعض هذه الأيام أن القطار قد وصل محطته السعودية، وهو بصدد تحطيم الحواجز واقتحام كهوف الفتوى والمال والموت المستقر. ولا يسألنني أحد عن محطته الأخيرة. فالتفاؤل لا يطلب حجة عقلية غالبا. دعونا نسمع انكسار الصيني الرفيع، فقد دخل الفيل حانوت الفخار. ولا أراه هاربا أمام قطار الربيع العربي.
ولأن الأخبار كثيرة والجميع يكررها متشابهة، فإني سأستمع إلى صدى ما يجري خارج هشيم المكان المكسور.
المواطن العربي وآل سعود
ليس لآل سعود أصدقاء أو أوفياء بين العرب.. هذا جزم ينكشف من خلال متابعة التحليلات والتعليقات الجارية في مختلف الوسائل. حتى الذين تدبروا عقود عمل مجزية هناك؛ كتموا هوانهم إلى حين عودة، ثم انفجروا لاعنين.. لقد كانوا يعاملون كعبيد جياع يتسوّلون كرما وصدقة.
أسباب الشماتة ليست فردية، فالعرب ضحايا. ولن نفلح في ترتيبهم بحسب درجة الألم، لقد خربت السعودية؛ مصر والعراق واليمن ولبنان، وقبضت ثمن فلسطين منذ ما قبل مؤتمر فاس سنة 1981 وإعلان مبادرة التطبيع أو الخطة العربية للسلام.
رأى العرب الفقراء المال السعودي يسيل أنهارا في كل بقاع العالم، وطمعوا في الاعتماد عليه لتنمية بلدانهم، لكن المال السعودي وصل منّا وأذى وشراء ذمم وولاءات للنخب السياسية، ليكون صمتها كاملا إزاء الفساد الكوني.
أفسد السعوديون على المسلمين دينهم؛ بما بثوه من تشدد فقهي يتعلق بالعبادات والمعاملات. ورغم أن العرب خاصة كانوا يرون التناقض بين التوجيهات الدينية الصادرة من هناك وبين سلوك آل سعود والكثير من شعبهم، إلا أنهم واصلوا ذلك حتى اللحظة؛ مقدمين صورة واحدة للمتدين المتزمت المنغلق المتمسك بالشكليات الخارجية للتعبد، كفتاوى طول اللحية ونوع جلابيب الصلاة، فضلا عن فتاوى طاعة السلطان ولو في معصية الله، وهي الأخطر من كل الفتاوى. ويمكن أن نعدد الكثير من مظاهر تأثير السعودية في عقول المنطقة بواسطة مالها ونموذجها السياسي. الشارع العربي المقهور، خاصة لما فعلته السعودية بالربيع العربي، يفسّر ما يجري بالانتقام الإلهي (وهو تفسير عاجز وغير علمي)، ولكنه نتيجة مباشرة للتدين “المتخلف” الذي نشرته السعودية.
لا نعتقد أن لهذه “الشماتة الشعبية” العربية غير العقلانية صدى في الداخل السعودي، ولكن العقلاء المتبقين هناك سيدركون الآن حجم الفجوة التي حفرها نظامهم بينهم وبين شارع عربي لا يملك لهم أية ذرة تعاطف.
مصير البيت السعودي
خارج “الشماتة الشعبية” غير ذات الأثر على الوضع الداخلي، هل يمكن القول إن الربيع العربي قد وصل لنجد والحجاز؟ هذا السؤال يخفي تفاؤلا متولدا من نفس الشماتة، وهو لذلك غير واقعي. لا تتوفر السعودية على أسباب الربيع العربي ولا وسائله. فالظلم الماحق الذي أضر بالكثيرين خلق فئات مستفيدة ليس من مصلحتها تغيير جذري في البلد. لذلك، فإن الزوبعة تجري في داخل البيت ولا تمس الكثيرين، وسيجد الناجون من المذبحة الجارية وقتا ومالا لتوزيع ترضيات كافية لإعادة توليف شرعية مماثلة لما فعله الملك عبد الله سنة 2011، عندما قطع فترة نقاهته في المغرب وعاد سريعا؛ ليوزع أموالا أسكتت بوادر احتجاج غير جدية وبها بعد طائفي (منطقة الشيعة خاصة).
مهما كانت الأزمة الاقتصادية التي يصفها البعض بكثير من المبالغة، فإن البلد يتوفر على ثروة طائلة بعد، ويمكنه توزيع الأعطيات الكفيلة بإسكات شارع تعوّد الأعطيات في الأزمات. شارع مرفه ومغسول الدماغ بفتاوى طاعة السلطان، فلا نقابات تقوده، ولا أحزاب ولا نخب مسيسة. وقد استبق الملك الشاب (الحاكم الفعلي) كل الضربات بتوجيه ضربة لطائفة من العلماء المحسوبين على تيار الإخوان المسلمين أو لديهم نوايا إصلاحية سلمية من داخل البناء الفكري الديني المحافظ، وهم الوحيدون الذين كانوا قادرين على بث فكرة تغيير واسعة (لا أتحدث هنا عن ثورة فالثورة حرام).
وهي الضربة الأشد قوة من كل الضربات، فما فُعِل بأفراد العائلة سيظل محدود الأثر على الشارع؛ لأن الأسرة، وإن تمزقت مؤقتا، فهي ما زالت تحكم بقوة، والأجهزة الردعية جميعها صارت بيد واحدة لا يمكنها أن تصفع أختها، حتى وإن لم تصفق معها مؤقتا.
الأمير يتمتع بحماية تضمن نجاحه
ما كان للأمير أن يقدم على ما أقدم عليه لو لم يكن يتمتع بحماية قوية من الراعي الأمريكي للإصلاحات وبنسقها المتسارع والزلزالي. جمود الأسرة يزعج الأمريكان، ولكن اضطراب المملكة واهتزاز دورها في المنطقة يزعجهم أكثر، وليس لديهم عندها بديل قوي يمكن أن يقوم بنفس الدور، لذلك فهم ينشدون تغييرا في مربع الأسرة فقط، وقد وجدوا أو صنعوا رجلهم بعناية، وهم يسندونه بقوة بواسطة المعلومات الاستخبارية، وربما التدخل المباشر إذا اقتضى الأمر ذلك، فالأساطيل ليست بعيدة.
وإلى جانب الأمريكان، ينتظر الصهاينة تطبيعا علنيا مع أقوى الأنظمة العربية في الساحة الآن. لقد ضمن لهم النظام السعودي مصر السيسي، ولكن ذلك غير كاف، لذلك يطلبون المزيد. والتطبيع العلني هو أكبر مكسب يحصل عليه الكيان منذ تأسيسه، فلن يبقى بعد السعوديين نظام عربي لا يطبع (سيكون ذلك بمثابة فتوى تفتح الباب لبقية العرب ضعيفي الإيمان). من أجل ذلك، أعتقد أن الصهاينة سيضعون كل خبرتهم و(ثقلهم في الولايات المتحدة) في خدمة الملك القادم ليستقر له الأمر، فيكمل ما بدأه من تطبيع. إنهم يرونه يفعل ويتقدم في كسر العائلة الجامدة (بقوة الفتوى)، وهم يحسبون الآن مكاسبهم القادمة والثمن المدفوع، وسيكون الثمن قليلا مقارنة بالمكسب.
سينتبه الجميع بعد أيام قليلة إلى وجود نخبة سعودية متأمركة تربت في الجامعات الأمريكية في العقدين الأخيرين بمال الدولة، وسيقرأون موقفها ودورها بأنها تتحرك الآن في الظلام وبيدها برنامج حكم.. لقد فتح لها الملك باب الرقص الحداثي.
سيقول بعض المتفائلين بالربيع العربي: لا تهوّن من شأن ردة فعل شعبية رافضة لما يجري. وسأرد بكثير من الواقعية المليئة بالمرارة.. لقد أمكن لأنظمة مسنودة من الصهاينة شراء شعوب أفقر بثمن أقل مما قد يدفع هناك. لقد أمكن لحفنة من العسكريين إخضاع 100 مليون مصري بسهولة لم يمكن توقعها، والصهاينة يرون ويفرحون ولا يدفعون الثمن، بل يجنون الغنيمة فقط.
وإذا كان الربيع العربي قد انكسر في البلدان ذات المجتمعات المدنية المبنية، فالأصوب أن لا يدخل بلدا لا يزال تعيش أغلب قبائله في القرون الوسطى، ولم تغير إلا مراكيبها؛ من الناقة إلى الهامر.
سيقول البعض أيضا أن العائلة انكسرت، ولن يجد الملك الجديد سندا منها. ولكن عدد الأمراء أكثر بكثير ممن اعتقلوا، وهي فئة فاسدة وتخاف أن يطالها العقاب، لذلك ستسارع إلى التخلي عمن اعتقل أو صودرت أمواله، وتبايع بأقل الأضرار، بل لعلهم يفرحون بأن ضرب الرؤوس الكبيرة يسمح للرؤوس الصغيرة بالتمدد. (بعض المضروبين ليسوا من العائلة، وإبعادهم غنيمة للجميع).
ثورة شعبية في السعودية يا إلهي لست الوحيد الواهم.. لقد حدثت ثورة واحدة في تاريخ تلك المنطقة، وقد قادها نبي مرسل، ثم انقطع الوحي وانقطعت الثورة هناك. بقية التغييرات في نجد والحجاز حدثت فيها لمدة 15 قرنا بفعل خارجي، بما في ذلك إيصال آل سعود للحكم. والخارج القوي الآن لا يريد التغيير الذي يعصف بالمملكة ودورها، لذلك فانتظار معجزة ثورة في نجد والحجاز هي أضغاث أحلام. دعونا إذن نستمتع بموسيقى انكسار البورسلان تحت أقدام الفيل. سيكون لديه مال كثير لتجديد طقم الصيني الفاخر. يوم القيامة السعودي شهوة عاجزة.
عربي21

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock