الطيب الجوادي
الأمنيون يطالبون بقانون يحميهم منّا نحن المواطنين العزّل! تمنّيت لو كان الأمر مزحة سخيفة، ولكن تبيّن لي أن الحكاية جدّ في جدّ
مازلت أذكر يوم “دخل علينا البوب” لاوّل مرة، وانا أدرس في المعهد، حاولت أن أهرب منهم فولجت احدى القاعات وأغلقت الباب بطاولتين، ولكن أحدهم كان قد لمحني، فكسر الباب ليمسك بي ويلقي بي ارضا ويضع حذاءه العسكري الثقيل فوق رقبتي ويصرخ في “يا ولد الق… اليوم … أمّك” وهوى على رأسي بمتراكه فانفجر الدم من فمي وانفي وانا أترجّاه باكيا ان “يسيّبني”، ثم جرجرني خارج القاعة حيث تكفل “بوب” آخر بصفعي والبصق علي ودفعي نحو سيارة الشرطة وهو يشتم أمّي ويصرّ انها فاجرة وأنني “ولد حرام”، وفي مركز الأمن لم يتركوا شتيمة جنسية هابطة الا شنفوا بها آذاننا، وراحوا يتداولون على صفعنا وضربنا وحين احتجّ أحدنا صارخا في وجه أحد الجلادين “ما تضربنيش” نزعوا ثيابه ونكلوا به تنكيلا، وأبقونا على ارضية إسمنتية يوما كاملا بدون ماء ولا أكل، وبعد أن أمضينا على اوراق لم نطلع على محتواها، ألقوا بنا خارج المركز، فوجدنا أنفسنا في الظلام الدامس، حفاة وشبه عراة بدون مال في ليلة كافية متوحّشة البرودة!
عندما خرجت من المركز تلك الليلة كان قد ارتفع بيني وبين “الحاكم” جدار سميك لم أفلح في تجاوزه ابدا، وكرهت الزعيم الأوحد وشتمته في سرّي، وأحمد الله اني نقمت على “الحاكم” ولم أنقم على الوطن، فما فعله الأمنيون بنا ذلك اليوم كسر أشياء كثيرة في روحي واربك نفسيتي الغضّة الهشة، ورحت اتساءل “هل هذه دولة ام عصابة؟ كيف لمخلوق ان يشتم هنيّة ويقول عنها “قـ…” دون ان أكون قادرا على الثأر منه ولو كلفني ذلك حياتي!
الامنيون لا يحتاجون قانونا يحميهم من مواطنيهم، يحتاجون فقط أن يعاملوا مواطنيهم معاملة متحضرة لائقة راقية، فالمطلوب هو الاحترام المتبادل وليس قوانين زجرية،
وكتبه الطيب ولد هنية، مواطن “ضايع فيها”.