شكري مناصري
لبيك اللهم لبيك .. في عتمة الفجر في الطريق الى المسجد سمعت أصواتا تشبه التلبية .. كانت أصواتا نسائية خافتة ..
التفت صوب المصدر وهالني المنظر .. قرابة الثلاثين إمرأة يعتلين شاحنة صغيرة في وضعية شديدة الازدحام لم أرى مثلها إلا في الطواف حول الكعبة الشريفة .. لا يحتاج الأمر لكثير من التفكير لفهم الأمر .. إنهن عاملات الحقول في مزارع تونس .. بلد الجحود .. بلد الحضارة .. الذي لم يستطيع ضمان وسيلة نقل اكثر إنسانية لمجموعة من العاملات الفلاحيات اللاتي يدفعهن الاحتياج للقبول بتلك الظروف ..
لا بد أنكم تشكون في أن ما سمعته من أصوات ليس تلبية بل ربما كانت ترنيمات صباحية لرفع المعنويات أو كلمات تقولها الخارجات للعمل صباحا مثل “يا ربي العمالة (يقصدن الاعتماد) عليك” أو ربما كان سبابا للحظ العاثر والزمن الكئيب الذي دفعهن للخروج في ذلك الوقت .. أو ربما كانت شعارات ثورية خافتة من نوع “خبز .. حرية .. كرامة وطنية” للتدرب على الثورة والعصيان .. ربما كانت كلمات عشق لم تجد إحداهن الوقت للبوح بها لرفيق دربها الذي تركته نائما كاللوح على “فراش الهناء” .. اللعنة على تلك الشاحنة .. لو لم تأتي لأكملت تلك النسوة صلواتهن .. أو ثورتهن .. أو لذتهن .. أنا سمعت التلبية .. واضحة جلية .. الازدحام هو دليلي .. فلا تقف المرأة ذلك الموقف ولا ترضى بتلك المعاناة إلا للطواف والحج .. لبيك اللهم لبيك .. جئناك ربي باحثات عن الكرامة .. جئناك ربي نبتغي رزقا قليلا يقوينا على العيش .. لبيك اللهم لبيك .. لم يخطئ سمعي .. دليلي هو الوقت التي تخرج فيه هؤلاء النسوة .. فلا يخرج المرء في ذلك الوقت إلا للصلاة والعبادة .. لبيك اللهم لبيك.