من أهم مآثر الثورات العربية قبل فوضى الثورة المضادة (التي قادها النظام القديم وقوى ظلامية داخل المجتمع أيضا) أنها فرزت القوى السياسية بين الاستبداد ومناهضته. فوقف الديمقراطيون في المعسكر المناهض للاستبداد (وإن فشلوا، أو أفشلوا، في تنفيذ برنامج انتقال ديمقراطي).
أما الإنقسام الإقليمي الحالي الذي يشهد تصعيدا خطيرا فتعبير عن صراع بين أنظمة ودول وقوى غير ديمقراطية منتظمة في محاور. التحدي أمام الديمقراطي أن يصمد في رفضه الانضمام إلى أحد المعسكرين في مواجهة الآخر، لأن كلا المعسكرين داعم لاستبدادٍ في خدمته، ورافضٌ لأي نوع من الديمقراطية والإصلاح السياسي والاجتماعي الحقيقي.
ترتكز مكافحة الفساد على استقلال القضاء وسيادة القانون والفصل والرقابة المتبادلة بين السلطات، من دون توفر هذه الأسس والعمل على توفيرها تكون مكافحة الفساد عبارة عن أداة شعبوية لكسب شرعية لحاكم سلطوي جديد ولإحلال فساد محل فساد آخر. وهذا ما بينته التجربة. فالحكام السلطويون الجدد غالبا ما يحاولون كسب شرعية بشعار مكافحة الفساد بدون قضاء وقانون، ولكنهم في الحقيقة يؤسسون لاستبداد وفساد جديدين.