في ذكرى وفاة مالك بن نبيّ

صالح التيزاوي
“31 أكتوبر من العام 1973″، ذكرى وفاة المفكّر والفيلسوف الجزائري مالك بن نبي. رحل مالك بن نبيّ عن هذه الدّنيا بعد حياة حافلة بالنّشاط، تاركا للمهتمّين بقضايا الفكر والإصلاح مدونة ضخمة غطت جميع مراحل حياته: مرحلة النّشأة والدراسة بالجزائر وفرنسا؛ مرحلة الإنخراط في الكفاح ضدّ ضد الإحتلال الفرنسي؛ مرحلة الهجرة إلى مصر ليعود بعد إستقلال بلاده للمشاركة في إدارة الشأن العامّ كمسؤول عامّ على التعليم، ثم مرحلة التفرغ للتأليف والإشراف على ندوة فكريّة كانت تعقد في بيته، عرفت فيما بعد بندوة مالك بن نبي. حضرها كبار المفكرين والساسة من العالم العربي والإسلامي.
حاول مالك بن نبي في مدونته الإجابة على سؤال محيّر شغل بال زعماء الحركة الإصلاحيّة ومازال: ماهي أسباب سقوط الأمة؟ وماهي شروط عودتها للفعل الحضاري، وممارسة دورها في الشّهادة على النّاس؟ يرى مالك بن نبي أنّ المصلحين قبله كانوا منشغلين بدراسة أعراض المرض ولم يصلوا إلى المرض في حدّ ذاته، لذلك لم تفض مقارباتهم إلى نتائج ملموسة وتغييرات عميقة وحقيقيّة في واقع الأمّة. لئن اعتبر بعض المصلحين الإحتلال الغربي للعالمين العربي والإسلامي مسؤولا مسؤوليًة مباشرة عمّا انتشر في أوطاننا من تخلًف لامس مختلف جوانب الحياة، فإنّ مالك بن نبيّ يعتبر الإحتلال نتيجة وليس سببا. فهو نتيجة حتميّة لما أسماه “القابليّة للإستعمار”، حيث جاء في القرآن الكريم “إنّ اللّه لا يغيّر ما بقوم حتّى يغيّروا ما بأنفسهم”.
اختلفت مقاربات المصلحين في تشخيص أمراض الأمّة: بعضهم رآها تربويّة عقائديّة مثل “محمّد عبدة”، وبعضهم رآها سياسيّة مثل “جمال الدّين الأفغاني”، فدعا إلى فكرة “الجامعة الإسلاميّة” لتكون الرّابطة الجامعة لعموم البلدان الإسلاميّة. ولكنّ الإحتلال قطع الطّريق على فكرته (يبدو أنّ قطع الطّرق على الوطنيين سياسة استعماريّة قديمة، ورّثها الإستعمار لعملائه يقومون بها بالوكالة عنه). تمّ إذا قطع الطّريق على فكرة الجامعة الإسلاميّة من خلال الدّعوة إلى “جامعة عربيّة” تمهيدا لتفكيك الإمبراطوريّة العثمانيّة بما يساعد على تجزئة العالم العربي والإسلامي (اتّفاقيّة :سيكس-بيكو) وزرع الكيان الصًهيوني في فلسطين (وعد بلفور المشؤوم: 1917).
وذهب المفكًر السّوري عبد الرّحمان الكواكبي إلى أنّ مشكلة العالم العربي تكمن في الإستبداد، فجاءت كتاباته تنطق بعمق المشكلة من وجهة نظره، حيث فصّل مظاهر الإستبداد وذكر تداعياتها على الأمّة. أمّا المصلح التّونسي الشّيخ محمّد الطّاهر بن عاشور فإنّه يرى مشكلة العالم الإسلامي اجتماعيّة بالأساس فكتب عن أصول النّظام الإجتماعي في الإسلام.
مقاربة مالك بن نبيّ تقوم على اعتبار مشكلة العالم العربي شاملة فهي سياسيّة (التّجزئة والإستبداد) وهي تربويّة، وهي اجتماعيًة، وهي تنمويًة، بما يعني أنّ المشكلة حضاريّة، ومن هنا فإنّ الحلّ ينبغي أن يكون حضاريّا في مقاربة تحسن التّعامل مع الإنسان والزّمن والتًراب، وهي المكوّنات الأساسيّة لكلّ حضارة. فكلّ أمةّ تحسن التّعامل مع تلك العناصر فإنّها تبلغ حتما الإبداع الحضاري. ولا يرى مالك بن نبيّ فيما تقوم به بعض البلدان العربيًة من توريد لمنتوجات الحضارات الأخرى، خاصّة في بلدان الخليج، حلّا حضاريّا، وإنّما هو “تكديس لمنتجات الحضارة”.


مالك ابن نبيّ
ولد في 5 ذو القعدة 1323 هـ الموافق لـ فاتح جانفي سنة 1905 م بمدينة قسنطينة شرق الجزائر، توفي في الجزائر يوم 31 أكتوبر 1973م الموافق لـ 4 شوال 1393 هـ.
وضع يده على أهم قضايا العالم المتخلِّف، فألف سلسلة كتب تحت عنوان “مشكلات الحضارة” بدأها بباريس ثم تتابعت حلقاتها في مصر فالجزائر، وهي :

Exit mobile version