فلادمير بوتين… رجلُ “الغربِ القلقِ” على مستقبله
زهير إسماعيل
(ملاحظات على هامش حلقة السبت 28 أكتوبر من وثائقي “فلادمير بوتين” على قناة نسمة)
تستند ظاهرة بوتين إلى ثلاثة عناصر أساسيّة:
• رأسماليّة الدولة
• قوّة مخابراتيّٰة ونوويّة عسكريّة (تقليديّة مقارنة بالولايات المتحدة)
وهذان العنصران منتج سوفياتي.
• البعد القومي الروسي: يبدو العنصر القومي وكأنّه عنصر جديد. كان البعد الأممي في المنظور الاشتراكي من أسباب حجبه المؤقّت. وكان نصيب العصبيّة/اللغة الرّوسيّة هو الأقوى، وهذا ما يفسّٰر القدرة على استيعاب النزعات القوميّة الصغيرة وعدم توفيق الغرب في توظيفها في خدمة مصالحه وما يراه من مستقبل لروسيا في ضوئها (الحالة الأوكرانيّة مثالاً).
رأسمالية الدولة والقوّة المخابراتيّة منتجان سوفياتيّان. أمّٰا بخصوص البعد الروسي فإنّ الأمر مختلف على معنى أنّٰ في “السوفياتيّة” كثيرا من “الروسيّٰة”. ويمثّل ظهور نظريّة الاشتراكيّة في بلد واحد (ستالين/بليخانوف) أثر البعد القومي الروسي في التجربة السوفياتيّة، وهو ما عارضه المؤمنون بأمميّة الثورة والاشتراكيّة (تروتسكي).
وفِي اللقاء الصحفي بين بوتين والمخرج الأمريكي أوليفير ستون (تبثه نسمة بدبلجة عاميّة)، اتَّخَذ بوتين من “مكتب ستالين” مكتبا له يدير منه الاتحاد الروسي. وهذا يشرّع لسؤال العلاقة بين “سوفياتيّة ستالين” و”قوميّة بوتين”؟
يظهر الأمريكان حبًّا وكرها (توجّسا) لروسيا، في الوقت نفسه. وهذا الشعور المزدوج قد يخفي تبادل أدوار في المنطقة العربيّة.
صورة بوتين تسوّق (من قبل الأمريكان خاصّة) لمراقبة قوّتين صاعدتين تملكان استراتيجيا، في المنطقة : إيران وتركيا، ومنع المجال العربي من الانبناء بالثورة التي شهدها قوّةً سياسيةً واقتصاديّةً وثقافيةً استراتيجية.
يدرك الغرب أنّٰ الروس أفضل من ينهض بهذه المهمة، ومثلما كان لهم حضور سياسي في الشرق الأوسط (المتوسط) وصار لهم اليوم حضور عسكري دائم، في قلب المنطقة (قاعدتا طرطوس والحميميم).
في الاستراتيجيا الأمريكيّة خاصة والغربيّة عامة تمثّل الصين (الحاكم/الأب) والهند (الروح الهائم)، الخطر الحقيقي المهدّد للتوازن السائد والنظام العالمي الذي تمّت صياغته على نتائج الحرب العالميّة الثانية، وهي الحرب التي انتهت بانتصار الغرب ومنتجه الحداثي (استدعى قرونا لتبلوره وانتصاره). وبوتين/ روسيا جزء لا يتجزّأ من هذا المنتج، وكذلك “الحدث السوفييتي” (الخلاف السوفييتي الصيني في ظاهره خلاف “اشتراكي” وفِي عمقه خلاف غربي كونفيسيوشي).
البعد الغربي في التجربة السوفياتيّة كان أقوى عند لينين فقد كان يعتبر أنّٰه لا نجاح للثورات الاشتراكيّة في العالم إلاّ بنجاح “الثورة البروليتاريّة في اوروبّا”، فهي وحدها من سيخلّص العالم، وطال انتظار لينين كانتظار كثير من مستضعفي العالم لـ”المهدي”.
بوتين روسيا ستكون، في الاستراتيجيا الغربيّة، الحاجز الجغرافي والسياسي والعسكري الملائم لمنع انسياب الصين/الهند باتجاه المجال العربي وأفريقيا.
في هذا الوضع العالمي مازال “العالم الإسلامي” بمجالاته الثلاث (العرب، الفرس، الترك) ودول شرق آسيا الإسلاميّة، فضاءً إمبراطوريّا بلا استراتيجيا لمكوّناته، مما يجعل بعضها في صدام مع بعض، وقد توظّف في صراع المشاريع الكونيّة الناهض منها والناكص مثلما هو حال “العالم الصيني الهندي” والعالم الغربي. ويمثّل تصادم مكوّنات “العالم الإسلامي” الرئيسيّ، في المجال العربي، صورة من هذا التخبُّط الاستراتيجي.