عبد اللّطيف درباله
عزّ الدين جنيّح وعلي السرياطي المسؤولان الأمنيّان السابقان.. حضرا هذا الأيام جلسة محاكمة أمام محكمة الاستئناف بالعاصمة.. في حين تغيّب عبد الله القلال وزير الداخلية الأسبق..
فقد اتّهمهم مواطن تونسي بممارسة التعذيب الشنيع والوحشي ضدّه لمدّة أربعين يوما بمقرّ وزارة الداخلية في عهد بن علي.. ممّا سبّب له أضرارا جسيمة ونتج عنه سقوط بدني مريع بنسبة 80%.. فقضت المحكمة الابتدائيّة بعدم مؤاخذة المتّهمين لسقوط الدعوى بمرور الزمن.. لذلك استأنف الحكم…!!!
طبعا تقديم مثل هذه الشكايات في عهد بن علي كانت تعرّض صاحبها لقمع إضافي وللاعتقال والسجن والتعذيب مرّة أخرى.. أمّا لو تجرّأ وقدّمها هو أو محاموه فإنّ مآل شكاية هو سلّة المهملات.. أو البقاء بلا جواب وبلا بحث ولا تحقيق إلى ما لا نهاية حتّى يأكلها العنكبوت في أدراج النيابة العموميّة..
وبالتالي فإنّ تقديمها قبل الثورة كان شبة مستحيل.. ولا يمكن الحديث عن مرور الزمن في شأنها.. ولا عن سقوط حقّ صاحبها المتضرّر في رفعها.. متى قدّمت بعد 14 جانفي 2011..
هذا نظريّا..
لكن من الناحية القانونيّة فإنّ ميثاق الأمم المتحدة والقوانين والاتفاقات الدولية المصادق عليها من تونس تنصّ على أنّ جرائم التعذيب لا تسقط أبدا بمرور الزمن..
غير أنّ الباجي قايد السبسي في أثناء فترة رئاسته للحكومة بعد الثورة.. وبمعيّة “زميله في الكفاح” الرئيس السابق فؤاد المبزّع.. نقّحا القانون بالتنصيص على سقوط جرائم التعذيب بمرور الزمن.. وهو ما أدّى بالقضاء في بلادنا إلى الحكم آليّا برفض الكثير من قضايا التعذيب وفقا للقوانين التونسيّة دون النظر إلى ما وراءها ودون تغليب المواثيق الدولية التي تعتبر أعلى من القوانين المحليّة..
بقطع النظر عن كلّ ذلك فإنّ الدستور التونسي الجديد الصادر سنة 2014 والمعتمد اليوم.. نصّ على أنّ جرائم التعذيب وانتهاك حقوق الإنسان لا تسقط أبدا بمرور المدّة..
وحتّى لو لم تقع مراجعة القواعد الجنائيّة والإجراءات الجزائيّة في القانون التونسي.. فإنّ المبدأ المعروف الذي لا خلاف فيه هو أنّ الدستور أعلى من كلّ القوانين.. وأحكامه هي واجبة التنفيذ لو تعارضت مع أيّ قانون خاصّ.. وبالتالي يتوجّب على المحاكم القضاء وفقا للدستور لا غير..!!!
المؤلم في الموضوع أنّ بعض القضاة من أعضاء النيابة العموميّة.. سواء في المحاكم العدليّة العموميّة أو في المحاكم العسكريّة.. عمدوا إلى تمييع قضايا التعذيب ورمي طوق النجاة للجلاّدين والسفّاحين.. وقاموا بتكييف أعمال التعذيب من طرف ضبّاط ومسؤولي وأعوان الأمن والداخلية باعتبارها مجرّد استعمال للعنف من طرف موظف عمومي (!!!).. ليحوّلوها أوّلا من جناية إلى جنحة.. ويحوّلوها ثانيا من جريمة تعذيب لا تسقط دستورا ووفقا للقوانين والمواثيق الدوليّة بمرور الزمن.. إلى مجرّد جريمة عادية لا علاقة لها بذلك المبدأ.. وتسقط بالتالي بمرور الزمن..!!
وتلك فضيحة دستوريّة وقانونيّة وأخلاقية..!!