أنور الغربي
ماذا بعد تصريحات المشير عبد الفتاح السيسي في باريس حول الصحة والتعليم والتنمية والحقوق الفردية والجماعية في مصر؟
من سيذهب من دول الجوار للعلاج في مصر وهرم السلطة يقر بانهيار القطاع؟
من سيذهب للتعليم والدراسة في مصر بعد هذا التصريح؟ ما قيمة الشهائد المصرية الان؟ هل بقي لرجال التعليم والصحة المصري قدرة على المنافسة والعمل في دول الجوار؟ ما تأثير كل ذلك على العاملين في هذين القطاعين في الداخل والعملة بالخارج؟ من سيجرأ على الذهاب للسياحة في مصر بعد الان؟
هل هي رسائل لثني الذين يرغبون في الأستثمار في هذه القطاعات ؟ هل هي مقدمات لالحاقها بالكامل لسيطرة المؤسسة العسكرية المصرية؟
ولكن السؤال الأهم من المستفيد من هذه التصريحات المدمرة لسمعة البلاد ولقيمة المواطن المصري؟
في الواقع أرى أن الاجابة على هذه الأسئلة أهم بكثير من التساؤل عن المستفيدين الحقيقيين من الزيارة أو البحث عن سبب تجاهل الاليزي لموضوع حقوق الأنسان والحريات والعدالة والمبادئ أو حتى غياب الحديث عن السلام في المنطقة ومتطلباته.
فقبل الزيارة صرح مكتب ماكرون بأن “الاجتماع سيمكن الطرفين من بحث موضوعات مثل الأزمات الإقليمية والحرب على الإرهاب وأيضا وضع حقوق الإنسان الذي تهتم فرنسا به بشدة” وقلنا حينها أن ذلك لن يحصل وأن فرنسا الحالية لا يمكنها ازعاج السلطات المصرية ولا الخليجية التي تدعمها.
انه لأمر عادي في وضعنا العربي الراهن أن يتجاهل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وضع الحريات في مصر فهذا مفهوم ومن يتابع السياسة الفرنسية يدرك بأن هذا النهج في التعاطي مع الأنظمة الأستبدادية هو ما دابت عليه الحكومات الفرنسية المتعاقبة منذ الثمانينات والسيد ماكرون أبعد من أن يكون استثتاء أو مدافعا عن حقوق الأخرين.
وفرنسا التي تعاني من أزمات اقتصادية كبرى لا يسع حكامها الحاليين الحديث العلني ولا السري عن حريات الشعوب ولا التساؤل عن كيفية وصول مخاطبيهم للسلطة ولا يهمهم حجم الإنتهاكات التي ترتكب ولا يرغبون في الإطلاع على التقارير الأممية فضلا عن الجمعياتية التي تتحدث عن حجم الفساد والإستبداد في العديد من البلدان العربية التي يتعاملون معها بل ان هذا الوضع هو الأمثل لعقد الصفقات وضمان التبعية.
فالذين عولوا على ماكرون لطرح ملف الحريات والمطالبة بوقف الأعدامات والقتل هم لا يدركون حجم المصالح وبخاصة لدولة مثل فرنسا يعاني قطاع السلاح لديها من ضعف المنافسة وتمكنت من عقد صفقة مع مصر تقارب 6 مليارات دولار بضمان اماراتي تشمل طائرات رافال مقاتلة التي كانت تعاني من صعوبات بالغة في التسويق وفرقاطة متعددة المهام وبارجتان ميسترال. وربما من المفيد التذكير بأن الصفقة الأهم كانت قد عقدت مع وزير الخارجية الحالي والذي كان حينها وزيرا للدفاع وله علاقات متطوة مع النظام المصري.
كما أن فرنسا تشترك مع النظام المصري الحالي في تقييم عدد من الملفات منها التنسيق الكامل مع اسرائيل وجلب الامارات والسعودية لمربع التسوية الفردية اسوة بالاردن ومصر.
كما أن لهما مصالح كبيرة في ليبيا والدعم المقدم للواء المتقاعد خليفة حفتر من الطرفين معروف وجاءت عملية تهريب المرتزقة من الدواعش ليطرح أكثر من سؤال عن الدور الذي تقوم به فرنسا في ليبيا.
وفرنسا تحتاج لرجل عسكري مثل عبد الفتاح السيسي ليدعم سياساتها في افريقيا وتعول عليه لخدمتها في عدد من الملفات المهمة ولعل التعاطي المصري مع ملف ترشيح الوزيرة الفرنسية السابقة أزولاي لمنصب الأمين العام لليونسكو يدل على ما وصلت اليه الأوضاع العربية. وأصبحت مصر تعول بالكامل على صناع القرار في فرنسا بعد أن أعلنت الولايات المتحدة عن تخفيض المساعدات العسكرية لمصر وتجاهل موسكو لدور القاهرة في عدد من الملفات الاقليمية.
أما مصر فربما تعتقد بأن باريز قادرة على تحسين صورتها لدى الأوروبيين خاصة وان الألمان مترددون في التعامل مع النظام والايطاليين لازالوا يتحدثون عن ملف مواطنهم “ريجيني” ولم يقتنعوا أبدا بالرواية الرسمية للدولة المصرية.
بالتأكيد كل طرف يعلم ما يريد ويدرك بأن الطرف الأخر في حاجة اليه ولكن كل من القاهرة وباريز غير قادرين اليوم على التأثير في مسار الأحداث في المنطقة وما الأحداث الأمنية المتكررة في مصر وأحكام الأعدامات وتقارير الإنتهاكات الا دليل ضعف أجهزة الدولة أما حكومة ماكرون فهي تعاني من تحديات اجتماعية كبرى وغير معروف الى أين تسير الدولة بعد تخليها عن دورها التاريخي في العديد من الملفات.