إلى أين تسير البلاد ؟

مختار صادق
شباب في عمر الزهور يهرعون إلى مياه البحر العكرة وساحات “الجهاد” الكاذب مفضّلين الموت على العيش بين الأهل والأصدقاء والأحباب…
فساد في حالة استشراء إلى درجة سنّ القوانين للعفو عن الفاسدين والمرتشين في بادرة غير مسبوقة للإفلات من العقاب وترسيخ الفساد في كل مفاصل المجتمع…
برامج تلفزية ظاهرها الترفيه عن الناس وباطنها البحث عن “البوز” والربح الإستشهاري وحقيقتها خلفية مقصودة لنشر ثقافة الإنحلال والتميع والرذيلة بين الناس…
انتشار المخدرات والجريمة واستسهال الإعتداء على أرواح الناس وأعراضهم وأموالهم في ظل عجز الدولة أو ربما التلكّؤ المقصود لبعض أسلاكها…
تعليم يواصل تدنيه وتيئيس الشباب منه في ظل تلاعب النقابات والأحزاب بمستقبل الأجيال…
ارتفاع جنوني للأسعار وانحدار مريع للدينار ذهب بقفة “الزوالي” حتى أصبحت الخضار من الكماليات في بلد كان “مطمورة روما” ذات يوم…
حصول البلاد على المرتبة الأولى عربيا في نسبة العنوسة والطلاق يطرح أكثر من سؤال عن مستقبل الأسرة وتربية الناشئة…
أقارن بين هذا الوضع ووضع البلاد حين اندلعت ثورة الكرامة حيث كان هناك حلم يملأ أرجاء الوطن… كانت هناك رغبة حارقة تعتمل تحت النار التي أشعلها البوعزيزي لملأ البلاد عدلا بعد أن مُلِئت جورا… ورغم الشظف المخيم على الأجساد والارواح كان هناك أمل في إصلاح ما أفسدته الدكتاتورية على مدى نصف قرن أو يزيد… في ذلك الحيّز المخطوف من التاريخ بلغ الخوف والهلع بالمستبدّين وأذنابهم وأبواقهم درجة لخّصتها صورة “برهان بسيس” وقد التصق جلده بالعظم وهو يعد التونسيين بعدم الخوض في أمور العامة من جديد… صورته بالأمس و”كرشه” المنتفخة شحما ولحما تفتك المكان ممن جاؤوا لاستقباله على أنغام “الطبال والزكرة” تلخّص ما آلت إليه الثورة في سنوات التيه وتبدّد الحلم.
لسائل أن يسأل: من المسؤول عما آلت إليه الأوضاع؟ والجواب هو كلّنا… جميعا… لا أستثني منا أحدا: الذين أرجعوا منظومة الفساد للإفساد على غريم أيديولوجي… الذين تحالفوا مع منظومة الفساد لرد الصاع الإيديولوجي صاعين تحت يافطة الحفاظ على الأدنى… الذين شغلهم البحث عن الزعامات وافتكاك قواعد الآخرين… الواقفون على الربوة… المتكلمون… الساكتون… كلنا شركاء! لا فائدة في لبس جبة النضال الطاهرة ورمي الآخرين بالجبن والتفريط في الأمانة… الخ… الخ.
ورغم هذا الكم الهائل من الجلد للذات فالوضع الهيكلي بالبلاد هو أكثر الأوضاع ايجابية في كل بلاد العرب من حيث امكانية التغيير باستعمال صندوق الانتخابات رغم المحاولات العديدة لإفراغه من محتواه أو تعطيله أو تعويمه بالمال السياسي. كذلك فحرّية التعبير والمبادرة بطرق متنوعة لا تزال قائمة كوسيلة ضغط فعّالة وقادرة على إجبار السلطة على التراجع وتحيين مواقفها.
قد يكون الحل في بعث بادرة جديدة على شاكلة بادرة “18 أكتوبر” لا تقصى أحدا تكون قاعدتها الإتفاق على الأدنى وهو أن مصير البلاد كلها في مهب الريح وأن الحل لا يكمن في التراشق بالتهم والتخوين…
لا أرى ذلك ممكنا بالوجوه الحالية التي تملأ الشاشات… الأمل معقود على قواعد الأحزاب الصادقة والوطنية والشباب منهم خاصة للتقدم والضغط أكثر على قيادتها لتغييرها ومراجعة مسارها وإجبارها على وقوف وقفة تأمل قبل أن يصبح حتى مجرد الوقوف غير متاح والماء قد غطى السفينة بأكملها!

Exit mobile version