عبد اللطيف علوي
مررنا ببعض البيوت الكئيبة المتناثرة على جانبي الطّريق، تجاوزناها حتّى غابت عن النّظر، ورأينا مجموعة من الصّبية، بميدعات زرقاء بهت لونها، ولدين وبنتين، لا يتجاوز عمر الأكبر فيهم ثماني أو تسع سنوات، وقفوا على حافّة الطّريق يلوّحون بأيديهم طمعا في توصيلة. تلك عادة التّلاميذ الصّغار في الأرياف، التّلاميذ الّذين يسكنون بعيدا عن المدرسة بكيلومترات طويلة. المسافة تقطع أنفاسهم كلّ يوم، وتدمي أرجلهم اليافعة، وهم يدبّون ببطء كالسّلاحف الحزينة، في المرتفعات، ومن حين لآخر تحين منهم التفاتة يائسة، علّ شاحنة تسعفهم، أو جرّارا فلاحيّا، أو حتّى عربة مجرورة.
توقّف الأطفال حين سمعوا هدير السّيّارة، وراحوا يقفزون ويلوّحون بأيديهم، يميلون بأجسادهم إلى داخل الطّريق، كأنّهم يريدون أن يعترضوا سبيلها كي لا تمرّ وتتركهم. بدوا كغرقى لاح لهم فجأة قارب النّجاة…
يا للسّخرية! كان منتهى أملهم في تلك اللّحظة أن يكونوا داخلها، وكان منتهى أملنا أن نكون خارجها… !!!
#عبد_اللطيف_علوي
#الثقب_الأسود
اكتشاف المزيد من تدوينات
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.