بشير العبيدي
#بسمة_اليوم …
لقد عشتُ مواقف إنسانيّة غاية في الطرافة والغرابة، بيد أنّني أذكر مُلحاً منها غلبت ما دونها لشدّة اتصالها بنمط التفكير! وهذه دُفعة منها على الحساب :
هذا وقتُ ربّي لن أبدّله !
كنتُ خطيب الجمعة في مسجد جنوب غربيّ فرنسا، ونوّهتُ عقب إحدى خطبي إلى ضرورة تأخير الوقت بساعة في الجمعة القادمة، تبعا لدخولنا في فترة التوقيت الصيفي كالمعتاد.
ثم قُضيت الصلاة وصلّينا. فما كدت أنهي التسبيح حتى رأيت شيخا يجتاز الصفوف ويتقدّم إليّ في المِحْراب وهو ساخطٌ. فلم أشكّ أنّه سيحتجّ على شيء في خطبتي ! ثم ما لبث إلا أن مدّ يمناه مسلَّمًا ثم مدّ لي معها يسراه وفيها ساعة صفراء قديمة وقال متشنّجا : أرأيت هذا الوقت ؟! إنّه وقت ربّي الذي خلقه ! ولن أغيّر أبدا خلق الله! والأسبوع القادم سأجيئ في الوقت الجديد لكنّني من المحال أن أغير لك وقت الله ! فمنذ اشتريت هذه الساعة لم أبدّل الوقت أبدا !
فسكتّ سكوت الميّت خشية أن أقول له شيئا فيصفعني بمرأى النّاس، وخرجت من المسجد وأنا أدفع عنّي الضّحك باستدعاء الكحٌة، كي لا يشكّ الناس أنني أضحك من دون سبب !
الفم تحت الإبط !
في ضاحية غرب باريس، كنت في صلاة الجمعة خلال شهر رمضان، وكان المسجد يغصّ بالنّاس من كلّ بلاد الدّنيا. فارتقى الخطيب المنبر -وكان من حاملي ذاك الفكر الحطبي المتحجّر- وبدأ يخطب وكان الموضوع أنّه يشرح كيف “أنّ الله خلقنا في أحسن تقويم” ! فطفق يقول في معرض أدلّة الإقناع عنده: بالله تخيَّلوا لحظة أَيُّهَا الناس لو أنّ الله خلق أفواهنا تحت الإبط فنضطرّ لرفع الإبط للأكل، وتخيلوا لو أنّ الله جعل لنا أنوفنا قريبا من مخارجنا فنتأذّى بالرّوائح !!! فأذهلني هذا الخيال المتفتّق واستحمقت صاحبه ودفعني دفعا للوقوف وهممت بمغادرة الخطبة، لولا أنني تذكرت استحالة أن أدرك الجمعة في المسجد الآخر في تلك المدينة، فذهبت أسبغ، وأحسنت الوضوء على شرط الإمام مالك، إلى أن أقيمت الصلاة ! وعجبت يومها من خيال هذا في أمثلته، وعجبي كان أكبر من المستمعين الذين تخيلوا الموقف بالتأكيد، وجلسوا مستمتعين بالخطبة !
اللحية تنهى عن الفحشاء والمنكر
لم أضحك يوماً كضحكي حين قرأت لأحد الفسابكة وقد نشر نصًّا يشرح فيه سبب إطالة لحيته وقال : إن كنتُ لا أغشى المحرّمات فذلك بفضل لحيتي الطويلة، إذ كلّما هممتُ بإثم أتذكّر وأقول : أنت صاحب اللحية والقميص يراك الناس من الصالحين وتفعل هذا؟ اتق الله ! فكانت لحيتي سببا مباشرا في ترك المنهيات !
ولم أدرك في حياتي فضل اللحية كما أدركته ذلك اليوم الذي قرأت فيه المنشور، وحمدت الله أن مسلمين كثر يطيلون لحاهم وإلا لعمّ البلاء بهذه الأمة المسكينة !
✍? #بشير_العبيدي | صفر 1439 | كَلِمةٌ تَدْفَعُ ألَمًا وكَلِمةٌ تَصْنَعُ أَمَلاً |
اكتشاف المزيد من تدوينات
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.