مختار صادق
قال وزير الخارجية الأمريكي الأسبق “هنري كسينجر” ذات يوم: “قد يكون أمرا خطيرا أن تكون عدوّا للولايات المتحدة الأمريكية ولكنّه أمر قاتل أن تكون صديقا لها”. لم ينطبق هذا القول طوال تاريخ أمريكا الحديث مثلما انطبق على “أصدقاء أمريكا” من العرب! فصدام كان “صديقا” لأمريكا طوال السنوات الثمان مدة حربه مع إيران ثم انقلبت عليه خلال حرب الخليج الثانية ففتّت ملكه و قتلت ولديه ثم أعدمته بأياد عراقية ليصبح العراق العظيم أقرب إلى الدولة الفاشلة اليوم منه إلى الدولة الحديثة القوية التي تزعج اسرائيل و أحلامها التوسعية.
حكّام الخليج الذين موّلوا كل حروب أمريكا في المنطقة العربية عليهم تحسّس جلودهم هذه الأيام. فلكأن ملايين الأرواح التي زهقت و بلايين الدولارات التي صرفت في حروب عربية عربية رعناء لا تكفي إذ أن طبول حرب جديدة في المنطقة باتت جاهزة للضرب بعد تسخين جبهات جديدة مثل جبهة الأكراد بتداخلاتها العراقية التركية الإيرانية والجبهة القطرية وقرار “ترامب” بالتراجع عن المعاهدة النووية مع إيران. ورغم هذا الجوّ المشحون فلا أظن أن أمريكا ستعيد التورّط مرّة اخرى في رمال الشرق الأوسط المتحركة. والحقيقة أن أمريكا لن تحتاج للتدخل أًصلا فقد زرع العرب بغبائهم الإستراتيجي مزيدا من التوتر بين جيرانهم وبين بعضهم البعض مما يجعل أمريكا تكتفي بلعب دور الوسيط وبيع الأسلحة لطرفي النزاع في المنطقة.
داخليّا يعتبر وصول رجل الأعمال الأرعن “ترامب” للحكم في حد ذاته مؤشر شؤم على السلم والإستقرار في العالم. حاليا تجاوز عجز الميزانية الأمريكية الثمانية عشر “ترليون” (بالتاء!) دولار وقد كان من أهم وعود “ترامب” الإنتخابية التخفيض في العجز عن طريق التخفيض في الضرائب على المواطنين لإنعاش الإقتصاد والقضاء على البطالة ومن ثمة رفع مداخيل الدولة وبالتالي التخفيض من العجز مثلما وقع في عهد “رونالد ريغن”. وقد انتهى الإعداد في الكونغرس لهذا المشروع ومن المتوقّع أن يصبح مشروعا ساري المفعول في الأسابيع القادمة.
غير أن الملاحظين يعتقدون أن هذا المشروع الجبائي سيؤدي إلى مزيد العجز في الميزان التجاري فالوضع الداخلي والعالمي يختلف على ما كان عليه في الثماننينات زمن “ريغن”. ويعتبر هذا الوضع عامل ضغط لخوض حروب خارجية لصرف أنظار الناخبين وجلب الرساميل الأجنبية وضخها في الداخل. إضافة فإنّ لوبي الصناعات الحربية يضغط بقوة لتجربة التقنيات الجديدة التي تم اختراعها في العشرية الأخيرة ومزيد بيع الأسلحة لأطراف النزاع في العالم. لكلّ هذا فإن احتمال قيام حرب أو حروب قادمة هو احتمال قويّ قوّة رؤوس الأموال المتفلّتة.
رؤوس الأموال التي يجري الجميع وراءها هرب معظمها إلى القارة الآسيوية في العشرية الأخيرة ولذلك فعين أمريكا على آسيا والأرجح أن “أصدقاء” أمريكا هناك من العرب وغيرهم هم من سيموّلون حروبها القادمة إن قدر لها أن تقع. الظاهر أنه لم يبق هناك الكثير من الأموال في خزائن العرب بسبب إغراق بعضهم لسوق النفط عمدا وهم ينفّذون عن قصد أو غير قصد مخطّط غيرهم لإضعاف روسيا وإيران وإضعاف أنفسهم في الأثناء. ولذلك فقد تكون عين “ترامب” مفتوحة أكثر على خزائن كوريا الجنوبية واليابان من خلال نفخه في كير قائد كوريا الشمالية الأقرب لرعونة “ترامب” نفسه ولكن بيد مطلوقة بلا فرامل قانونية أو مؤسساتية. في المقابل فإن حكام اليابان وكوريا الجنوبية منتخبون وليست لهم اليد الطولى كما هو الحال عند ملوك وأمراء العرب. أما اللوبي الصهيوني فهو يضغط بقوة لتحويل وجهة غضب “ترامب” نحو إيران العدوّ التاريخي لإسرائيل والخطر المتبقي لها بالمنطقة.
الاستقرار في العالم يبدو على كفّ عفريت والأرجح أن “أصدقاء” أمريكا هم من سيدفعون الثمن في كل الحالات.