أحمد الرحموني
رئيس المرصد التونسي لاستقلال القضاء
ربما يعتقد البعض (من التونسيين او الملاحظين الاجانب) ان الجواب بنعم يبدو بديهيا ولا تنقصه المبررات. ولعل المحللة الامريكية “سارة يركيس” تعد من ابرز من يدعم هذا الاستنتاج بالنظر خصوصا الى معرفتها القريبة بشؤون شمال افريقيا والشرق الاوسط وخبرتها بالبيئة (السياسية التونسية).
“سارة يركيس” (الخبيرة ايضا بمؤسسة كارنيغي للسلام الدولي) كانت منذ ايام في زيارة لتونس ونشرت يوم 2 اكتوبر الجاري باحدى المجلات القريبة من السلطات الامريكية (فورين أفيرز) مقالا عنوانه وفحواه ان الديمقراطية في تونس قد “خرجت عن السكة”.
وحقيقة لم تكن “صديقتنا” الامريكية مفعمة بالتفاؤل حتى منذ زيارتها قبل الماضية في اواخر جوان 2017. اذ خلصت في نهاية مقال (تسوده المخاوف!) تحت عنوان “الفساد في الصميم” الى “أن الجمود يمكن أن يكون خطراً بقدر غياب الاستقرار. وإذا لم تتوصل الحكومة والرأي العام إلى لغة مشتركة يناقشان بها الفساد وسلسلة من التدابير لمكافحته، قد يؤدّي الإخفاق في دفع العملية الانتقالية قدماً إلى الأمام إلى دورة كارثية من الإحباط والغضب والاستياء” (موقع مؤسسة كارنيغي بتاريخ 23 جوان 2017).
ومن الواضح ان تنبؤاتها “السوداء” قد خيمت ايضا على اقوالها الاخيرة التي نبهت الى “ان الحكومة التونسية قد اتخذت في ظرف اسبوع فقط ثلاثة تدابير تشير في جملتها الى تراجع كبير في المسار الديمقراطي”.
• الاول: حصل في 11 سبتمبر الفارط عندما صادق البرلمان التونسي على تحوير حكومي مكن من تعويض 13 وزيرا من جملة 28، وكانت تلك الخطوة منذرة بالخطر لان بعض الوزراء الجدد لهم علاقات مع النظام السابق للدكتاتور “زين العابدين بن علي” الذي اطيح به في عام 2011 خلال الربيع العربي.
• الثاني: حصل بعد ثلاثة ايام، اذ وافق البرلمان (مع مقاطعة 90 نائبا) على قانون المصالحة الاقتصادية (المثير للجدل) الذي عرضه الرئيس الباجي قائد السبسي (واطلق عليه قانون المصالحة الادارية) وذلك على اثر نقاش حاد استمر لسنوات.
ويقر القانون الجديد عفوا لفائدة الموظفين الذين سهلوا الفساد في ظل نظام بن علي دون اخضاعهم باي وجه للاجراءات القضائية.
وفضلا عن ذلك يتجاوز القانون السلطات الممنوحة للهيئة الرسمية للعدالة الانتقالية (هيئة الحقيقة والكرامة) التي من صلاحياتها التحقيق في الفساد وغيره من الجرائم الاقتصادية.
• الثالث والاخير: حصل في 18 سبتمبر الفارط، اذ اعلنت الحكومة ان اول انتخابات بلدية -والتي كان من المفروض اجراؤها في 17 ديسمبر 2017- سيتم تاجيلها للمرة الثالثة وعلى الارجح الى نهاية مارس 2018. فقد كانت الانتخابات مقررة أصلا في أكتوبر 2016، ثم تأجلت إلى مارس 2017 ثم مرة أخرى إلى ديسمبر 2017 بسبب مجموعة من العوامل اللوجستية والسياسية.
لكن هل كانت هذه الوقائع “البارزة” اسبابا طبيعية لتعطيل المسار الديمقراطي؟!
تجيب “سارة يركيس” بكل وثوق بانه “على الرغم من أن كل واحد من هذه الإجراءات يثير القلق في حد ذاته، فإن سلسلة الإجراءات في مجملها تشير إلى محاولة “محسوبة” من قبل حكومة السبسي (كذا) في تقليص التطور الديمقراطي في البلاد!”
ومع ذلك تبقى الازمة في جوهرها مرتبطة بمعضلة الفساد الى الحد الذي اعتقدت معه الباحثة الامريكية “أنه ليس هناك سبيل واضح لمعالجة الفساد في البلاد”.
وتؤكد في هذا السياق ان “أحد العوائق الأساسية أمام إيجاد حلول لهذه المشكلة هو أن “الفساد” أصبح مصطلحاً جامعا يُستخدَم للإشارة إلى مختلف المشاكل الاقتصادية والسياسية التي تعاني منها البلاد. اذ يرتدي الفساد معانيٍ متنوعة جداً بالنسبة إلى المجموعات المختلفة من التونسيين. فهو يعني، في نظر البعض، مكافحة الجرائم الاقتصادية وشبكات الزبائنية التي كانت سائدة في عهد النظام السابق، فيما يعني، بالنسبة إلى البعض الآخر، التصدّي لثقافة الفساد التي نمت وتوسّعت منذ عام 2011″ (مقال الفساد في الصميم – المرجع السابق).
وعلى ذلك فان التدابير الثلاثة -على حدتها- تثير الشكوك “المشروعة” لدى قطاع كبير من الناس ونشطاء المجتمع المدني حول جدية الحكومة في معالجة معضلة الفساد وقدرتها على الخروج من عنق الزجاجة!.