الجمل غير المكتملة بين الإتحاد ونداء تونس
كمال الشارني
بقدر ما صدمتني تصريحات برهان بسيس حول الاتحاد، وإعادة الجنود النقابية إلى ثكناتها بعد أن طلبوا منها التمرد على الترويكا، بقدر ما أنا محتار في قراءة الرد الفوري للسيد نور الدين الطبوبي، الأمين العام للاتحاد: “كنتم عرابين ولستم من تعطون دروسا للاتحاد”، وقبل تصريح بسيس، هل كانوا خيرين ملائكة ؟ لماذا لا تقول “غلطونا” مثلا ؟ وأصلا، لماذا لم يقل برهان بسيس شيئا عن هوية نحن الذين يعتقد أنهم أصدروا أمرا بتمرد جنود الاتحاد على السلطة، لماذا اكتفى بنصف الكلام ؟
صدمتني تصريحات برهان بسيس، لما أعرفه فيه منذ أن كان في الجامعة من دهاء وخبث ومناورة، لا تتوقع منه أن يهاجم اتحاد الشغل بذلك الأسلوب البلاغي الفج غير الواقعي لمن يريد أن يحكم في تونس أو يرشح رئيسا، كنت أظن، وبعض الظن اثم، أن برهان بسيس مثل القط: حيثما رميته يقع على أقدامه، وأنه يستطيع أن يمشي ليلا على حبل غسيل ليصل إلى مطبخ الجيران ويتعشى، إنما أنه، أيا كانت قواه، لن يجرؤ على مواجهة “رحى الماكينة” وفق رواية أمين عام سابق بذلك التصريح الاحتقاري الذي لا مبرر له، تساءلت: “ماذا يملك برهان بسيس للمناورة ضد الاتحاد بتلك الطريقة الفجة: اتهامه بأنه مجموعة جنود متمردين على السلطة ؟”.
على ما أعرف من الاتحاد، فإن الضرب الحقيقي، يجب أن يكون تحت الحزام أولا، في الأماكن الأكثر ألما وقدرة على الإخضاع والتفاوض، وبعيدا عن رد الفعل الإعلامي، كنت أتوقع أن يقول السيد الأمين العام، حتى على طريقة محسن مرزوق الذي يعرف قصة برهان كاملة: “نحن لا نهتم لكل ما يقوله المغامرون في السياسة حول الاتحاد”، ليضع تصريحات برهان بسيس في سلة التصريحات العشوائية، غير المسؤولة، تاركا المجال متاحا لنيل مقابل حقيقي لأخطاء “المستشارية السياسية” الأكثر إثارة للجدل في حزب ليس له سياسة بل له عرابين، إنما تكشف التصريحات الفورية عن عبارات تحمل أكثر مما تتحمل اللغة نفسها، عما لا يجب أن يقال في فورات الغضب، لتذكير كل واحد بحجمه الحقيقي.
أيا كانت حماقات التصريحات الفورية من الطرفين، فإن الأمر سوف يسوى بشكل شخصي وسري وسيتم ترميم العلاقة العلنية مهما كان الثمن، مع بقاء كل طرف متحفزا وراء السواتر واليد على الزناد للرد على مصادر النيران التي لم تعد تحتكم على مصدر واضح، لن يتراجع برهان علنا عن حماقته السياسية، ولن يجيب الأمين العام للاتحاد عن أي سؤال دقيق حول معنى “كنتم عرابين”، لمن ولماذا.
ولأن الطبيعة تأبى الفراغ، فإن التونسيين سيبحثون عن الجواب على طريقتهم، بالإشاعة والتأليف، ومن الغريب، أنها كثيرا ما تكون قريبة من الحقيقة أقرب مما يروجه مغامرو الصحافة ومداحو السلاطين، ولا عزاء للصحفيين في هذا المجال.