هكذا أصبحنا كالضفدع المغلى !!
أحمد الرحموني
رئيس المرصد التونسي لاستقلال القضاء
تجربة الضفدع هل تعرفونها ؟ او بالاحرى حكاية الضفدع في وعاء الماء. على كل حال هذه القصة -التي تحولت الى مبدا- تستند الى تجربة (ربما لم يجربها احد !) فحواها ان ضفدعا (والانثى ضفدعة) دُفع به (او دفع نفسه) الى وعاء مملوء بماء بارد وهو ما سمح له بان يسبح بكامل الهدوء.
الا ان النار كانت تشتعل تحت الوعاء (وقد يكون قدرا) وبدا الماء يسخن بلطف الى ان اصبح فاترا. ورغم ذلك كان الضفدع يجد متعة تدعوه الى مواصلة السباحة.
لكن الحرارة بدات في التصاعد واصبح الماء في الاخير حارا. بالتاكيد لم يكن الحال مثاليا وفق ما يتمناه الضفدع خصوصا وقد بدا يشعر بالتعب. ومع ذلك لم يجد الضفدع في الامر ما يدعو للذعر!.
بعد ذلك ظهرت الحقيقة وتبين ان الماء اصبح حارا جدا. ولا شك ان الضفدع قد بدا يكره ذلك لكنه شعر في نفس الوقت بالضعف وهو ما دفعه الى التحمل والسكون. وفيما كان الضفدع مشدودا الى اسفل لا يستطيع شيئا كانت حرارة الماء تتصاعد (والقدر تغلي) حتى انتهى الحال الى موت الضفدع وطبخه دون ان يتمكن من الخروج!.
ومن الواضح ان نفس الضفدع اذا قدر له ان يدفع مباشرة الى اناء او وعاء حار جدا (50 درجة مثلا) كان من الممكن له ان يجد سبيلا للقفز الى الخارج.
وخلاصة القصة هي ان الضفدع لما ارتمى في بيئة معلومة كالماء البارد كان الامر على ما يرام وكذلك الحال لما اصبح الماء فاترا لكن لما اصبح الماء في الاخير حارا وبدا الضفدع يحترق فقد فات الاوان بالفعل. وبسبب ضعف قوته مات الضفدع مغليا في الماء الحار.
وهذه التجربة لاشك انها غنية بالعبر :
• فهي تدل على ان التغيير السلبي (اي في الاتجاه الخطا) اذا تم بطريقة بطيئة لا يلفت الانتباه ولا يثير في الغالب اي احتجاج او معارضة او رد فعل.
• كما يعبر مثال الضفدع (الذي لا يدري انه يطبخ) عن ظاهرة التعود والسلبية في محيط يشهد تدهورا متدرجا يؤدي حتميا الى تهديد حياته. فالقصة في مدلولها استعارة يتم استعمالها للتنديد بسلبية الانسان والتحريض على صحوة الوعي (التوقف عن لعبة الروبوتات !).
• وفضلا عن ذلك فان القصة تتضمن الاشارة الى ان الضفدع ربما ينظم بوعي اختبارا انتحاريا في مقاومة الحرارة !. فهو يعلم انه بصدد الاحتراق -طالما كان يشهد ارتفاع الحرارة- لكنه لا يتحرك لكي يفر حتى يثبت قدرته على البقاء حيا في نظام يجره الى الموت!.
وبالتاكيد (ولا نختلف في ذلك) يبدو حالنا شبيها بهذه التجربة اذ نلاحظ ان المجتمع *على الاقل منذ بداية “الاحلام الثورية” وعلى امتداد السنوات الاخيرة- قد شهد تدهورا مستمرا للقيم والمبادئ والافعال بصورة لم تعد تلفت الانتباه ولا تثير في اغلب الاوقات احتجاجا او اعتراضا او حتى انتقادا باي وجه.
ولا شك ان الكثير يسلم بان البلاد قد خضعت الى “انحرافات” متدرجة تعودنا عليها الى حد اعتبارها ظواهر طبيعية لا تثير تساؤلا او انتقادا، من ذلك :
• اشياء كثيرة (وكذلك شخصيات وخطابات وافكار وتوجهات الخ…) كانت في بداية الثورة ترعبنا او ثثير حماسنا او تحبط عزائمنا لكنها اصبحت مع مرور الايام والسنوات اقل وطاة واكثر قبولا حتى انها في اغلب الاحيان لا تثير فضولنا او تجلب اهتمامنا.
ولك ان تتصور ما تريد عن تلك الاشياء او الخطابات (الاشادة بالتجمع الدستوري الديمقراطي – الاحزاب التجمعية – سب الثورة – ظهور رموز النظام السابق او الافراج عنهم – مشاركة وزراء بن علي في الحكم…الخ) او تلك الشخصيات التي اصبحت معتادة (محمد الغرياني – برهان بسيس – الحبيب عمار – عبد الله القلال – سليم شيبوب – بلحسن الطرابلسي…الخ).
• الاعتداءات المتكررة على الحريات الفردية وكرامة الانسان وحرمته الجسدية وحياته الخاصة (التجاوزات الامنية – حالة الطوارئ الدائمة – الاقامة الجبرية – الاعتداء على المعطيات الشخصية – مراقبة التنقل وعدم تسليم جوازات السفر – الايقافات الجماعية – القيود المسلطة على الجمعيات…الخ) التي اصبحت تتسع بصفة متصاعدة (بفعل عوامل كثيرة) مع تراجع محسوس للتحركات والاحتجاجات المنددة بتلك الانتهاكات وضعف مستمر لمكونات المجتمع المدني ورقابة الاعلام…
• التحاليل والتحذيرات والتقييمات والاجراءات المتعلقة بالاوضاع الاقتصادية التي لم تعد تثير -لدى غالبية الناس- ردود الافعال الطبيعية او تدعوهم الى اتخاذ التدابير الوقائية اعتقادا منهم بالنهاية الحتمية (البلاد داخلة في حيط !).
واضافة لذلك يبدو ان الحديث المتكرر عن مكافحة الفساد ومقاومة الارهاب قد اوجد لدى عموم الناس تكيفا مع بعض الخطابات المهترئة والمتناقضة في هذا المضمار!.
• التاثيرات الكبيرة لوسائل الاعلام (وبعض الاسماء المؤثرة) التي ساهمت باستمرار في اغراق متابعيها وهرسلتهم بمعلومات موجهة في غياب العمل بصفة جدية على ارساء اعلام متنوع.
لكن في هذا وفي غيره من الظواهر هل اصبحنا فعلا كالضفدع المغلى؟، الا يوجد امل للهروب قبل فوات الاوان ؟. بعضهم يعتقد ان القصة حقيقية وان قدرنا مرتبط بحتمية النهاية !.
الا ان البعض الاخر يكذب الرواية اصلا ويصرح بان قصة الضفدع المغلى هي بلا شك قصة طريفة لكنها خاطئة ومضللة ! : “فنحن اذا دفعنا بالضفدع في ماء مغلى فلن يهرب بل يموت. اما اذا وضعناه في ماء بارد فانه سيهرب قبل ان تداخله الحرارة. فالضفادع لا تجلس بهدوء تنتظر لاجلك !”.