تشريع الأدنى والحث على الأفضل
الحبيب حمام
وردت في القرآن تشريعات بضمان الأدنى. والسؤال كيف نعرف أن المقصود هو الحد الأدنى؟ الجواب بسيط ومنطقي جدا: ورد في القرآن ما يدل على ذلك في نفس سياق الآيات التشريعية. لنأخذ مثالين:
يقول تعالى في آيات الطلاق “وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ” ثم مباشرة يتبع بقوله “إِلَّا أَن يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ ۚ وَأَن تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ۚ وَلَا تَنسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ”. في حالة الطلاق دون حدوث الدخلة والمعاشرة تُرجع المطلقة لطليقها نصف المهر، وهذا الحد الأدنى، ويشجع الشارع (الله تعالى) على السماح في الكل من طرف أحد الطرفين.
ويقول تعالى في آيات القصاص “وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنفَ بِالْأَنفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ” ثم مباشرة يتبع بقوله “فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ”. وفي موقع آخر قال “فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ”.
أما في الميراث فمباشرة بعد آيات الميراث يقول تعالى “تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ ۚ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ وَذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ”. هنا حسم في المسألة “تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ”، ولو كان المقصود الحد الأدنى للبنت أو الولد أو الأم أو الأب أو أخت الميت كلالة أو أخيها… لكان هناك ما يدل على أنه الحد الأدنى، ولكانت هناك إشارة لمن الأدنى. الحال أن المرأة ترث أحيانا ولا يرث الرجل، فما معنى الحد الأدنى للمرأة في هذه الحالة؟
في الخلاصة أقول لو كانت ظروف تشريع قانون مكتمل في عهد رسول الله غير مناسبة والأنفس غير مهيئة، وكان قصد الشارع الارتقاء نحو الأفضل وليس نص حكم نهائي، لكانت هناك إشارات واضحات في القرآن على ذلك في نفس سياق الآيات. في نفس هذا المعنى، الصلوات الخمس هي الحد الأدنى، ولكن القرآن والسنة يحثان على النوافل وقيام الليل وقرآن الفجر والاستغفار بالأسحار. كانت هذه تذكرة وطابت يومكم.