أنا لم أفعل شيئا، لكني “جيت في الصدافة”، لا غير
كمال الشارني
قضيت أعواما طويلة في العمل الصحفي على قضايا الإجرام والمحاكم أتاحت لي الاقتراب من أعوان الدولة والسلطة وأسرارها، إلا أني لا أنسى “زنس شلبوق” حقيقي معوج أكلته من يد تشبه خف الجمل لعون أمن عملاق في مركز الشرطة بالكبارية في أكتوبر 1991 جعلني أترنح أربعة أمتار أو أكثر مع رنين مدمر في أذني وأظن أني نجوت من إعادة لا تؤمنها أخطار المهنة ومازلت أعاني من مخلفاته في طنين بعيد في أذني، لن أنسى ذلك لأن الذي ضربني، كان مثل أغلب زملائه، يعتقد أنه فوق المحاسبة، وأنه ليس عليه الاعتذار أو تحمل أية مسؤولية إذا أخطأ.
ذهبت إلى ذلك المركز ذي السمعة السيئة بإلحاح من رئيسه وقتها، حين أرسل لي سيارته الخاصة، تركني في مكتبه وخرج لشأن ما، فمللت الانتظار فخرجت، فعالجني العملاق بالشلبوق المذكور أعلاه، ترنحت وفقدت القدرة على الجواب، عاجلني بركلة في الحوض صارخا: “شد الصف معاهم” مع عبارات لا تليق هنا، وعندما عاد رئيس المركز، وجدني في الصف، عاجزا عن الدفاع عن نفسي بالكتابة، أمسح دماء فمي، عاجزا عن المشي مستقيما بسبب آلام الركلة، وأنتظر مع الموقوفين، فمات من الضحك، تم اختزال المسألة كلها في “مش بالعاني، أنت جيت في الصدافة”، لم يعتذر لي طبعا، إنما ظللت أسابيع أحاول منع نفسي من الكتابة بمرارة، وفي 1998، طلب مني عون أمن بطاقة التعريف في نهج ابن خلدون، وقبل أن يطلع عليها جاءه اتصال باللاسلكي، فأخذ الأوراق وتركني فوجدت نفسي مع أناس تبين أنهم منحرفون، أكلت معهم ما يجب أن يؤكل في الساتيام حيث تعرفون، ولم يصدقني أحد، حتى دخل صدفة محافظ شرطة شاب كان يلوذ بي كلما ضاقت به السبل لما كان طالبا في كلية الحقوق، فمات من الضحك، لكنه سلكها لي وتمكن بعد جهد من العثور على زميله الذي أخذ بطاقة التعريف، قال لي الذي شبع في بالضرب لما احتججت على الإيقاف: “اي، عادي خويا، ياخي قاصدينك أحنا”.
ومرة في مطار قرطاج في 2009، أخرجني ضابط أمن بالزي المدني من صف المسافرين وأخذ جواز السفر وبطاقة الطائرة للتثبت، لكنه لم يعد، قال لي بقية زملائه: “أنت أصلا، منين دخلت هنا، أنت تكذب، ليس لك جواز سفر”، ولا أحدثكم عن الخناق والتكركير على القاعة أمام خلق الله طيلة ساعة، حتى ظهر الضابط الذي لا يحاسب أبدا، لكي يطلق الكلمة السحرية: “سيبوه، كان خطأ في الاسم”، سيبوه ؟ يعني أن يحمد الله على السلامة دون أن يطلب حقا، أوكي ؟
بعد الثورة، اعترضني ولد يدعي أنه شرطي بالزي المدني لا يمكن أن يزيد عمره عن 22 عاما وطلب مني أوراقي، وكنت في حالة غير مناسبة لوسع البال، فقلت له بجنون واعتداد: “قبل أن يعرف أبوك أمك، أنا كنت صحفيا معروفا هنا، وإذا كان النظام يبحث عني فهو يعرف أين يجدني، ولا يحتاج لأن تعثر علي أنت صدفة هنا”، لكني سريعا ما ندمت، فقد ظللت أنتظر أكثر من ساعة لكي يمارسوا حقهم في البحث في ما إذا كنت مطلوبا، قال لي أحدهم: “أنت عندك حاجة ضد عملنا ؟ تي ماهو ما عملت شيء ؟ متأكد ؟ مالا ما عندك مناش تخاف، ما تخاف إلا إذا عملت حاجة”، وقتها تمنيت أن أكون عملت حاجة حق ولكمت أحدهم على عينه، ولم أعد أستبعد أن يستوقفك أحد أعوان السلطة لكي يسألك: “أنت عملت حاجة اليوم” تقول له “لا والله”، يقول لك “عاود أحلف” تقول له “اقسم بالله العظيم، يهلكني ربي ما عملت شيئ اليوم، يمكن أمس تعاركت مع المرا، وحرقت ستوب في الحي”، أوكي، إذا ما عملت شيئ ما تخافش، ابقى معانا لكي نتثبت أنك فعلا لم تفعل شيئا، على أساس أن البريء مطالب متهم حتى يثبت براءته، وفي الأثناء، “اش بيه، وبرى راك بقيت معانا ساعة ولا ساعتين حتى نثبتوا، هانا أحنا عندنا أربعة سوايع هنا”، أوكي عزيزي، سأنتظر، المشكل أن كل هذا يحدث في ظل انتشار غير مسبوق للفوضى والانحراف، كما لو أن الامن غير موجود.