تدوينات تونسية

رأي في المصالحة والمسامحة

مراد الرويسي
لا شك أنّ من جوهر الإسلام وأسّ القيم الانسانية الفضلى خلُق المسامحة والعفو والصّلح والمصالحة دفعا بالتي هي أحسن وتقريبا بين الفرقاء والخصوم وحتى الأعداء. إلا أنّ قيم المسامحة والعفو والمصالحة كمبادئ أصيلة وعامة لا تشمل، في ما أعتقد، خمسة قضايا أو مسائل إجرامية مجتمعيّة كبرى وذلك لشدّة قبحها وعظم بشاعتها وعموم بلواها وآثارها الوخيمة على المجتمعات والأجيال..
كما أنها تتجاوز حالة الفرد-الضحية أو الفرد-الجاني وترتبط مباشرة بأنظمة الفساد والإفساد، فضلا عن التقائها وتميّزها جميعا برذائل الإكراه والقمع والقهر السّالبة للحرّيات الأساسية والكرامة الإنسانية. كما سبق وأن سبّبت وأذاقت هذه القضايا عبر التاريخ -ولا زالت- للشعوب والأفراد ألوانا من العذابات والمعاناة والآلام والجروح التي يستحيل مداواتها ولملمتها أو محوها ونسيانها. من هذه الجرائم التي يُستثنى منها العفو والصّلح والمصالحة كما ذكرت، وإنْ عفى أهل الضحية أو الضحية نفسه أو مقرّبوه -وهي في تقديري لا تحتاج إلى كثير شرح أو تحليل-:
الاغتيال السياسي (قتل النفس) وما يُحدثه من حالة زهق الأنفس والفوضى والإرباك العام،
سرقة ونهب المال العام (الغلول) وما يُحدثه من تدمير للاقتصاد،
تزوير إرادة الشعب (الاستفتاء والانتخابات والانقلابات) وما يُنتجه من دكتاتورية واستبداد،
التعذيب والإغتصاب (المادي والمعنوي) وما يُسبّبانه من تحطيم للذات البشرية ويُخلّفانه من أضرار نفسية وعقلية وحسية وجسدية..
من هذا المنطلق، على العقلاء والحكماء والدّارسين والمختصّين المهتمّين الدّفع نحو تفعيل المصالحة والمسامحة، نعم، ولكن على عاتقهم مهمّة البحث المتواصل والتّطوير الدائم لمشاريع القوانين والتشريعات المتصدّية لهذه الجرائم المُخرّبة للدول والمكرّسة لتخلّف الشعوب وتأخّرها، وذلك اعتمدا على الأصلح والأنسب للعصر والزمان، عقوبة للجناة وردعا لهم ولغيرهم ممّن تسوّل لهم أنفسهم وجبرا للضحايا وأهاليهم وذويهم. ناهيك وأن أمّتنا الإسلامية اليوم تعيش منذ قرون، وخاصّة بعد المرحلة الاستعمارية المباشرة، حالة القاع الحضاري والانحطاط السياسي والاستبداد المغلّف إمّا بالدين أو العمالة التّحديثية القسريّة أو الديمقراطية المزيّفة أو بهم جميعا. كل يوم تصبحون على كرامة وحرية أكثر، كل مساء تنامون على مجرم وفاسد أقل.
“مانيش مسامح”.

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock