يوميّات حاج تونسي (6)

إسماعيل بوسروال
موسم الحج 1438 هجري /2017 ميلادي
الطواف حول : مناجاة ام معاناة ؟
كان جدي الحاج محمد بن لهذيلي بوسروال رحمه الله، في بداية الستينات، عندما يغضب على احد ابنائه اخوالي (حسن ورشيد وعبد الله ولطيف) يهدد باستخدام العبارة التالية: “اطوفك”… او …”اطوف بك”…
لم ادرك ذلك الكلام سوى انه تهديد بعقاب شديد، ولم اكن اتبين الرابط بين العقوبة المنتظرة و معنى الطواف.
ولكن في 2017 تبينت معنى عبارات جدي في الستينات.
كان الحاج محمد بن لهذيلي بوسروال ادى مناسك الحج في اواسط خمسينات القرن الماضي وبعد اكثر من نصف قرن اديت انا حفيده اسماعيل بوسروال مناسك الحج وادركت بالمحسوس معنى تهديده “الا ما اطوفك”.
1. الفضاء والمكان المقدس :
خصصت الادارة السعودية اكثر من طابق لاداء الطواف ولكن يتركز التواجد ويتكثف قرب الكعبة المشرفة (رغبة في لمسها احيانا ومحاولة تقبيل الحجر الاسود رغم ان السلطات السعودية تسعى لتجنب ذلك) وبذلك يكون الازدحام على اشده في الطابق الارضي في حين تكون الطوابق العليا الخاصة بالطواف مهوأة ومريحة.
2. التفويج :
يكون دخول الطائفين من مختلف الشعوب والدول بتنسيق مع ادارة شؤون الحرم المكي افواجا افواجا ولكن يمكن لكل راغب ان يقوم بالطواف متى شاء ولا تمنع الادارة المحلية ذلك الا في صورة امتلاء الحرم، وهذا الوضع من شأنه ان يجعل الطواف متصفا بالازدحام الشديد على الدوام.
3. اقتطاع مساحة للطواف من قبل حجيج
من مناسك الطواف القيام بـ 7 اشواط ثم صلاة ركعتين في مقام إبراهيم… لكن بعض الطائفين يظلون هناك لتادية النوافل والصلوات المفروضة. وضع ينقص مساحة الطواف بمقدار الثلث ويشدد الاكتظاظ والازدحام ويعمق معاناة الطواف.
4. عربات التنظيف تندفع وسط الطائفين
حينما يكون الفضاء مشحونا بالحجيج ويضيق بالطائفين تهرع 8 عربات لتنظيف الارضية على صفين كل صف فيه 4 عربات يقودها عمال آسياويون لا يعنيهم امر الطواف ومناجاة الحجاج لرب الكعبة بل يهم تنفيذ مهمة كلفهم بها رئيسهم في العمل فينطلقون دافعين الطائفين على اليمين وعلى اليسار منشغلين بتلميع الارضية متجاهلين اوضاع البشر.
5. خروج بعض الطائفين في شكل “صواريخ”
عند ركن الحجر الاسود وقبالة الضوء الاخضر يبدأ الطواف وكذلك ينتهي. وعند الانتهاء يخرج الطائفون لتأدية ركعتين (واتخذوا من مقام ابراهيم مصلى)… ولكن خروج في شكل صواريخ بشرية تنطلق من جوار الكعبة المشرفة حيث يسعون للاقتراب منها حتى نهاية الشوط السابع ويكونون قطارا بشريا أفقيا يقطع تسلسل الطائفين عموديا رافعين ايديهم واذرعتهم الى اعلى (في شكل صاروخ موجه الى الفضاء) مصرين الحاحا على قطع الطريق فورا.
كنت اتصور ان المنطق والعقل والسلوك الاسلامي كلها تتطلب الرفق واللين وتقتضي الرصانة والحكمة فكان من الممكن ان ينجز الطائفين الشوط السابع على الاطراف تسهيلا لخروج سلس لا يضايق من يناجي ربه في اقدس مكان.
ادرك الحاج الحفيد اسماعيل بوسروال معاناة جده الحاج محمد بن لهذيلي بوسروال في الطواف خمسينات القرن الماضي… والحفيد يترحم على جده ويقول له: ادركت اليوم -بعد نصف قرن- معنى كلامك “الا ما اطوفك !”… واطرح السؤال: متى يدرك المشرفون ان الطواف مناجاة العبد للخالق في مكان مقدس… منسك يتطلب الخشوع والهدوء والرفق.

Exit mobile version