هُما أورداني الموت عمْداً وجَرّدا … على الغَدرِ خَيلاً ما تَمَلّ من الركضِ
(طرفة بن العبد)
ليسمح لي الفذّ مظفّر النوّاب بأن أقلب صورته في العرب الباقية تعبيرا عن غضب بات لا يغادر.. مقيما..
عرب ما رضعوا العزة
لا شمٌّ .. ولا أُنُفُ
بل عرب حلبوا الخنزير
فبال من الحلب
لو أنّ نبيّا جاء بانقلاب عسكريّ لاخترتُ أن أكون من الكافرين…
يا وجع المعذّبين كن شاهدا على أمّة العرب..
تخرج من التاريخ من بابه.. فتكون أضحوكة العالمين..
أمّة لا تفلح في غير زراعة الموت وغراسة الهلاك لا تصلح أن تكون خير أمّة أُخرجت للناس لأنّ الخيرية بشروطها..
أمّة ترقص على أشلاء أبنائها وتلعق من دمائها في التذاذ مريض..
أمّة لا قيمة للإنسان فيها ولا لحياته ولا لأهله ولا لنظرائه لا مطمع في أن تهديَ الناس للتي هي أقوم..
وخروجها من التاريخ أرحم بها وبالتاريخ…
أمّة يرتّل فيها قارئ القرآن بالليل مقالة السماء “إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ”.. ويستغفر القارئ عينُه بالنهار للملوك من تراتيل السماء.. أمّة لا تضيف إلى البشرية غير الغثاء…
أمّة تسلم أمرها للقبح لا تستحقّ أن تشملها الشمس بنورها..
أمّة يفترشها عسكر لا يعرف سياسة الناس إلّا بقتلهم لا تصلح أن تكون أمّة واحدة ذات رسالة خالدة ولا أن يُرَدّد فيها قول السماء…
أمّة لا تدير اختلافاتها إلّا بالدماء لا تصلح أن يكون لها وجه الأرض.. ولا بطنُها…
أمّة يقتل فيها القويّ الضعيف وترقص ببغاءاتها لمشاهد الموت المروّع تلك أمّة أسلمتها الحياة لطمأنينة العدم..
ما دام الموت راصدا فالطمانينة حمق..
وليس أحمق من طمأنينة الحاقدين إلى أحقادهم وسكونهم إلى أمنية خلاصتها الخلاص من كلّ من يخالفهم.. وتلك بضاعة العسكر ومن حالفهم وطلب نجدتهم…
بمناسبة حريق ميدان رابعة العدوية بالقاهرة كتب متفلسف تونسيّ معروف مقالا مخاتلا عنوانه “أخونة الموت” جاء فيه “لا يوجد تبرير علماني لموت الآخرين.. وكلّ من يموت داخل عالمنا هو أخ بشريّ جذريّ لنا، ولا تفاوض حول موته مع أحد”.. ولكن البشرية في بلاد العسكر ما عادت أمرا مشاعا…
وما دامت نسبة البشرية محتَكَرَة فما عاد غير الموت قسمة عادلة بين الأحياء.. لذلك فبحضرته يُفتَرَض أن تتلاشى الفوارق كلّها، وإن اختلف الناس حول مصير من يموت، وإن هم لم يتفقوا على آخرة تظلّ فرضية يتنازعها يقينان: يقين الإثبات ويقين النفي.. وأيّا يكن الاختلاف فإنّ ثقل الموت على النفس البشرية يدعو الأحياء إلى تجاوز تهافتهم أمام جلال الغياب وكثافة الحزن ومرارة الفراق.. فما يجري على غيرك سيجري يوما عليك، حزينا أو محزونا عليك.. فلا تطمئنّ على وجود لا ترى منه غير لحظتك التي أنت فيها…
لقد أفسد العرب السياسة من قديم زمانهم..
وصارت السياسة في بلاد العرب أداة للموت.. والذين يموتون بفعل النزاعات السياسية أكثر من الذين تقتلهم الكوارث الطبيعية.. وهم خسارة للإنسان فينا ودمار للإنسانية من حولنا..
نحن أمّة لا تفلح في غير زراعة الموت ونشر الخراب كأنّها لم تقرأ يوما دعوة السماء لها لما يحيي…
هل أمّة تستنسخ الفرعون أمّة تستحقّ الحياة في زمن حقوق الإنسان؟
شيخ تسعينيّ يموت داخل السجن..
هل أنتم بشر.. أم حشرات؟
للحشرات قوانين الطبيعة المرعية فما قوانينكم تلك التي تدعوكم إلى قتل الناس مقيَّدين إلى جدران زنازينهم في صور لم تروها الكتب عمّا كان يجري في أروقة العصر الحجريّ؟
قد لا يليق بك أن تلوم عسكريا عقله مربوط إلى حذائه لا يفقه من الأمر إلّا ما يملى عليه.. وأحرى بك أن تلوم نخبة لم تفعل غير تلويث ما تعلّمته من حرف الإنسان فرقصت على أنغام التشفّي “إحنا شعب وانتو شعب” أو صبغت الدم بألوان ما تشتهي.. فعطفت بأناشيدها قلب العساكر على قتل أدمنوه من قبلُ…
ترى ما الذي يقوله حلفاء العسكر ولهم في كل ناحية من بلاد العرب مثل بعد وفاة المرشد العام للإخوان المسلمين مضرّجا بظلمهم؟ سيلعنهم دمه أحياءً.. وبعد مماتهم..
سيُقيَّدون في منزلة أدنى من مراتب شهود الزور على لحظة عربية كان يمكن أن تدخل العرب إلى التاريخ لولا ذاك العفن الذي نزل بنا تحت المرتبة الإنسانية وتوغّل في الدمار…
قتل عبد الناصر سيّد قطب فكان من دمه لعنة لا تزال تعاني مصر من آثارها والعربُ والعالَمُ.. بقتله ظلما خرّب القتَلةُ العمران العربيّ.. وتقدّمت الأمم من حولنا وظلننا “محلّك سرّ” نستلهم لذّتنا من تمجيد الزعيم الخالد ونكتفي من الغنيمة بالتمجيد.. نتّخذ من فرضية سقيفة المنشية كربلاء أو جدارا للشتائم والبكاء.. سال دم الشهيد فنبتت أشواك الإرهاب والتطرّف تفسد الدين وتلوّث الدنيا.. وتناسلت الجماعات الإرهابية النابتة في منابت الظلم تصيب الأمّة بكساح يمنعها من البرء.. لقد كان الإرهاب وباءً ينتعش في مزارع القهر ومراتع الظلام.. أوَليس الظلمُ ظلامًا؟ ظلمات؟
وبموت المرشد محمّد مهدي عاكف ستنبت أشواك أخرى أقبح وأشرس ستأتي على يابس الأمة وأخضرها إن بقي بها أخضر بعد أن صار الخصيان أئمّة الهدى بها وابتعلت السجون دعاة الخير والحكمة فيها..
سيكون خرابا..
سيكون خرابا..
مادام العسكر واقفا بالباب…