أبو يعرب المرزوقي
كنت أتصور أن فلسطين بوصفها قضية العرب الاولى لا تعاني إلا من ساستها وساسة العرب عامة. وكانت علة هذا التصور ما شعرت بأنهم جعلوا القضية تجارة. فما نراه من تفتت للمقاومة في بلاد الربيع لجعل تعثرها وجرائم حكامها درسا يمنع الشعوب من الدفاع عن حريتها وكرامتها سبقت إليه مقاومة فلسطين. لكن ما اكتشفته بالتدريج هو ما لم أصدقه إلا بعسر: لماذا تتجند النخب الفلسطينية التي كان من المفروض أن تعنى بقضيتها للمهاترات العربية؟ حيثما التفت وجدتهم بين أبواق الفتنة وخاصة فيما يجري حاليا في الخليج؟ فأفسد الدعاة وأفسد الإعلاميين وأفسد المحللين وأكبر المتاجرين منهم.
كيف جعلوا ما كان نعمة أعني تعميم التعليم بفضل الامم المتحدة يصبح نقمة فيخرج عتاة الإيديولوجيين وسفهاء الإعلاميين في خدمة الفتن العربية؟ وما يحيرني هو توهم الكثير ذلك دليل تقدم وألمعية وهو في الحقيقة نكبة فلسطين فالنخب التي من هذا النوع تتاجر بها لمصالح ذاتية ولا تدافع عنها. ومن أمراض هذه الوضعية فكرة سائدة في الشرق العربي تجعلهم نياما ما يزالون مؤمنين بوهم “بضاعتنا ردت إلينا” فيكونوا شللا تعتبر بقية العرب توابع.
ليت النخب الثقافية والفكرية والنخب السياسية يبتعدون قليلا عن المتاجرة بالقضية من أجل منافع شخصية. وخطابي للدعاة والإعلاميين الفلسطينيين. صحيح أن الساسة والنخب العربية الاخرى لا تختلف كثيرا عن هؤلاء. لكنهم يعتقدون أنهم في دول ذات سيادة ولا يدرون أن بلاد العرب صارت مثل الضفة العربية. وما وجهت خطابي للساسة والنخب الفلسطينية إلا بمقتضى طبيعة القضية. لا تخصهم وحدهم. أما المحميات العربية فأهلها يعتبروننا أجانب بخلاف حماتهم. لكني شخصيا لا أؤمن بتفتيت جغرافية الإسلام عامة والعروبة خاصة ومن ثم فإني لا أعترف بالحدود القطرية ولا برد الفعل على المشارقة بخلاف الجابري. فما يفرق بين جناحي الإقليم لا علاقة له بالثقافة العربية إنما هو من التأثر ثقافة المستعمر: هي فروق الجامعات الغربية في النخب العربية. وحتى أصحاب الثقافة التقليدية فهم متأثرون بالمناخ العام السائد في ثقافة المحميات العربية التي صارت أكثر تبعية بعد “الاستقلال” مما كانت قبله. والشيء الوحيد الذي لم يؤثر في نخبنا هو أخلاق العلماء سواء في ماضينا أو في حاضر الغرب: لعل التفسير هو القرب من “النهم” البدوي في كل أقطارنا.