انتهى العرض يا رفاق

صالح التيزاوي
غريب ما يفعله رفاق الجبهة، مناحة ظاهرها إشفاق على الثّورة من تمرير قانون المصالحة الإداريّة، وجوهرها تسجيل نقاط ليس على الحزب الأوّل صاحب “الفكرة” وإنّما على حركة النّهضة ومحاولة إظهارها بمظهر من تنكّر للثّورة. كان بالإمكان أن لا يمرّ قانون المصالحة لو بقي أنصار الثّورة في صعيد واحد ولم تفرّقهم المصالح الحزبيّة ونتائج الإنتخابات.
احتجّ الرّفاق على تمرير القانون بطريقة استعراضيّة فيها الكثير من المشاهد المسرحيّة تذكّرنا بذلك الصّوت الذي انبعث ذات عشيّة من شارع الثّورة “بن علي هرب” عندما كان المخلوع معلّقا بين السّماء والأرض يبحث عن أرض يلجأ إليها. مرّة أخرى نقول بأنّ يوم تمرير القانون كان يوما حزينا في تونس بمقياس الثّورة. ولكن من المعيب أن يتباكى الرّفاق على تمريره وهم الذين مهّدوا لذلك. ليس للرّفاق الحقّ في احتكار الصّفة الثّوريّة بعد أن ذبحوا اىثّورة عند “خصّة باردو” على “شرف” النّظام القديم. ورقصوا في جنازة “أختها” السّوريّة. كما احتفلوا يوم الإنقلاب الدّامي في مصر.
أيّها الرّفاق لستم فينا بمنزلة “شيغفارا” ولستم أنبياء الثّورة ورسلها، وكفاكم تظاهرا بالطّهر. لم يعرف التّاريخ فصيلا يساريّا منذ نشاة الماركسيّة بكلّ تطبيقاتها أن انخرط في ثورة مضادّة
ضدّ إرادة الشّعب مثل الذي فعلتم. تخطئون إن ظننتم أنّ الإسلاميين ضدّكم بسبب “يساريّتكم”، نحن ضدّ انتهازيّتكم، ضدّ استغلال مواقعكم في الدّولة لضرب خصومكم والكيد لهم عند “حاكم كان لا يعرف الرّحمة” جوره صار مضرب الأمثال. من كان قلبه مع الثّورة لا يقف ضدّ “قانون تحصين الثّورة” لمّا طرح للنّقاش بذريعة أنّه عقاب جماعي. وكان ذلك، مغازلة منكم للأزلام باحت بأسرارها في اعتصام “الرّزّ”. من كان قلبه مع الثّورة لا ينقلب على الشّرعيّة عندما وقعت الإغتيالات السّياسيّة لأنّكم تعلمون جيّدا أنّ المستهدف هو المسار الإنتقالي برمّته، ورغم ذلكم حكّمتم الأيديولوجيا ولم تحكّموا العقل. لقد حدثت زمن المخلوع اغتيالات سياسيّة وقتل للعشرات خارج القانون في مخافر الشّرطة وأقبية السّجون، وكنتم تتمتّعون بوضع مريح “عدم الملاحقة” ولم تحرّكوا الهيئات والمنظّمات التي اتّخذتم منها ملاذا آمنا احتجاجا على السّلوك الإجرامي للمخلوع.
حضرات الرّفاق من كان قلبه مع الثورة لا يعتصم مع من تسمّونهم الآن أزلاما في “خصّة باردوا” تحت خيمة واحدة. تأكلون من غلّتهم والآن تتظاهرون بسبّ ملّتهم. لقد استعملتم طيلة حكم التّرويكا “ماكينتهم” وإمكانياتهم ومكرتم معهم باللّيل والنّهار، ومطلبكم الرّئيس كان إنهاء حكم التّرويكا. وقد تمّ لكم ذلك. فلماذا تستغربون عودتهم وقد كنتم سندهم وواجهتهم أيّام كانوا يتخفّون من الثّوّار؟ أذكر أنّكم كنتم تستغلّون حتّى العوامل المناخيّة لإبراز عجز حكومة التّرويكا عن إغاثة النّاس، حدث ذلك بمناسبة هطول الثّلوج على الشّمال الغربي، شهران فقط بعد تسلّم التّرويكا الحكم. لقد حمّلتم منظومة الحكم الصّاعدة من رحم الثّرورة مسؤوليّة مآسي الحقبتين البورقيبيّة والنّوفمبريّة. فهل كنتم عادلين؟
المنظومة القديمة التي تنتفع اليوم بتمرير قانون المصالحة هي التي فتحت أمامكم وسائل الإعلام لتكيلوا التّهم وتفتروا على شركائكم في النّضال طيلة ستوات الجمر. فكنتم تتنقّلون
من قناة إلى أخرى ومن إذاعة إلى أخرى ترذّلون الحكّام الجدد وتحمّلونهم مسؤوليّة اهتراء البنية التّحتيّة وغلاء المعيشة وتردّي الخدمات وتفاقم البطالة وانعدام التّنمية. لقد حوّلتم اعتزاز الشّعب بثورته إلى مآتم تشهد نواحكم ونديبكم على ما “آل” إليه وضع البلاد تحت حكم التّرويكا وكأنّهم حكموا أكثر ممّا حكم بورقيبة والمخلوع. وأنتم بفعلكم ذلك جانبتم الحقيقة وسفّهتم الثّورة وأقنعتم النّاس بأنّهم كانوا في جنّة اجتماعيّة ولكنّ الثّورة أخرجتهم منها. وأعلنتم في انتخابات 2014 مساندة من لا يشبهكم ولا يشبهنا وقطعتم الطّريق على من يشبهنا ويشبهكم. ها قد عادوا فلوموا أنفسكم قبل أن تشنّعوا على غيركم.
يخبرنا القرآن الكريم أنّ سفينة نوح حملت بأمر ربّها من كلّ زوجين اثنين، لمّا أتى الطّوفان تطهيرا للأرض من الفاسدين وإنقاذا لمستقبل البشريّة. أمّا سفينتكم “خصّة باردو” فقد حملت مرتزقة الثّورة المضادّة من مليشيات الإعلام وقطّاع الطّرق و”رجال العمايل” الذين موّلوا اعتصامكم أمام أوّل مؤسّسة دستوريّة وشرعيّة في تاريخ تونس. تماما كما كانوا يموّلون نزوات المخلوع وعصابته. لم يخف الرّفيق محمّد الكيلاني أنّه اتّصل إبّان حكم التّرويكا “برجل الظّلّ” في تونس أو “الرّاس الكبير” أو “الغرفة المظلمة” وآخرين ليتحمّلوا “مسؤولياتهم التّاريخيّة”. لقد أصبح في
منطقكم “الثّوري” إنهاء التجربة الدّيمقراطيّة الوليدة وإقصاء من جاءت بهم الثّورة وصندوق الإنتخاب إلى الحكم “مسؤوليّة تاريخيّة”. وقد تمّ لكم ذلك. فهل يحقّ لكم لكم اليوم التّباكي على تمرير قانون المصالحة؟ منذ انتخابات 2011، لم تكونوا أبناء بررة للثّورة لأنّ مصلحتكم كانت دائما مع النّظام القديم… لقد اشتغلتم في “لجان تفكيره” خاصّة فيما تعلّق بتجفيف منابع الهويّة والإصلاح التّربوي. وكنتم تتمتّعون بالولوج إلى الوظائف الهامّة لأنّ “غربال” الدّاخليّة كان يسقط من تشتمّ منه “الرّائحة الخوانجيّة” ويحتفظ بكم لأنّكم تتقنون التّلوّن.. انتهى العرض يا رفاق، فالجمهور ما عاد يتحمّل مسرحيّاتكم السّخيفة.

Exit mobile version