Site icon تدوينات

نُوضَعُ في العَصَّارَةِ كي تَخْرُجَ منا الفوضى

محمد القرماسي

محمد القرماسي

محمد القرماسي

العبارة للشاعر العربي مظفر النواب عن العراق الذي تكأكأت عليه أمم الدنيا غربا وشرقا بذرائع قددا ولكن الهدف كان استنزاف ثرواته النفطية فقال الشاعر قولته… نوضعُ في العصارَةِ كي يَخْرُجَ منا النفطْ. وهذا مآل يبدو عاما لدول النفط العربية ومبشراته تكاد تعيد قصيدة النواب في ليبيا والخليج برمته على سنفونية الأزمة الخليجية الحالية.. فكيف نعصر نحن شعب تونس الفقير إلا من ذكاء سياسي وشيء من الخلفية الثقافية الإصلاحية المعتدلة. وهي كانت الى الآن سلاحنا وخصوصية النخبة التونسية لتتفادى الانهيار بالتجربة الثورية مهما قيل عنها وفيها.

التجربة التونسية التي فجرت الربيع التونسي فأريد له مكرا أن يحمل آمال الشعب العربي ويوضع في مواجهة القوى المقاومة للتغيير في كافة الأقطار العربية التي التقطت الحلم، دون أن يتوفر المناخ السياسي والإقليمي المساعد، فصنعنا لهم آمالا من التحرر ردوها علينا مكرا وتآمرا وأشياء أخرى يعلمها المتواطئون منا فيزيدونها سموما أيدولوجية وجهوية وفئوية، كادت في مرات عديدة تسقط السقف على الجميع. العصارة التي توضع تجربتنا وأحلامنا فيها لا تطلب نفطا، وان كان القليل منه منهوبا، ولا تطلب ثروات أخرى لا نعلمها، وان كانت مأمولة.

نحن التونسيون يطلب منا الرأس والقلب: فتونس زمنيا هي المنطلق والمحرك، ورمزيا الحصن الأخير للفعل الثوري العربي في المخيال وفي الواقع، رغم التشكيك المتواصل من الشركاء بعناوين مختلفة. يطلب أن تخرج منا الفوضى أيديولوجيا بالعزف بلا كلل على مشاعر الشعب المتدين عرفا وتقليدا عبر بث الفتن بمواضيع خلافية اجتهادية ليست من مشاغل التونسيين ولا اهتماماتهم. ولكنها تستدرجهم للشعور بالتهديد في دينهم فيلتقطها من هم اكثر استعدادا الى رفعها الى الأقصى فيصورون لنا الوضع وكأننا على شفى الخروج عن الدين.

الفوضى تطلب منا بتقسيمنا ثوريين وأعداء للثورة وكأن الثورة تطلب، حتى تكتمل، التضحية ببعض الشعب مهما كان موقعهم قبلها. ثم لا يتورع طالبي الفوضى تهديدنا بالنموذج السوري والليبي… تارة بتقسيم أيديولوجي وطورا جهوي وحتى طبقي…
النموذج التونسي استهلك التوافق والتعايش والوحدة الوطنية فشوهها الى حد كبير ولكن هل فكر هؤلاء وأولئك أنها تجربة ما تزال اقرب الى الإصلاح منها الى الفوضى؟

Exit mobile version