عبد القادر عبار
شوقي.. أمير شعراء عصره، كانت له فراسة صادقة في قصيدته المشهورة “قم للمعلّم” عندما قال: “وإذا المُعلّم ُسَاءَ لحْظ بصيرة ** جاءت على يده البصائرُ حُولاَ”
ونظرة في أحوال تلاميذنا وواقعنا الاجتماعي، تبين لنا مدى صدق نبوءة شوقي وأهمية تحذيره، إذ تصدمنا ظاهرة فضيعة من الحَوَلِ الرهيب في أخلاق المتعلمين وتفكيرهم وميولاتهم واتجاهاتهم وعلاقاتهم، وأذواقهم.. نتيجة سوء البناء والتنشئة، وثمرة خلل في التربية والتعليم والتوجيه.. الذي يخضعون له في المدرسة على أيدي منتسبين ومنتسبات إلى التعليم.. يفتقرون إلى الأمانة والدين، والنزاهة، والى الكفاءة الأخلاقية، مُؤدْلَجين أكثر من اللازم، ومُلوكيّين أكثر من الملك في يساريّتهم وحداثيتهم وعلمانيتهم.
والحَوَلُ: هو اضطرب في الإبصار وانحراف في سواد العين، ينشأ عنه خطأ في الرؤية، فالأحْوَلُ والحَوْلاءُ.. يرى الشيء على غير حقيقته، حيث عَيْنَاهُ تَنْظُرَانِ فِي اتِّجَاهَيْنِ فِي آنٍ وَاحِدٍ.
والحَوَلُ بكونه عاهة وإعاقة بصرية، يجعل صاحبه ينظر أو يبدو كأنه ينظر لنقطة أخرى بخلاف ما ينبغى أن ينظر إليه.
وشوقي لا يتحدث محذرا من الحَوَل الخَلْقي الوراثي أو الكسبي، فذلك خارج قدرة الإنسان، ولكنه يتحدث ويحذر من حَوَل أخطر وأبشع، ذلك الذي يصيب العقل والفهم والقيم والأخلاق والأذواق. ويبين انه ناتج من تقصير في الممارسة التربوية ويحمّل المدرسة المسؤولية.
وما يعانيه الوطن من أوجاع ومنغصات وكدمات موجعة في السياسة والتنمية، وفي الثقافة والاقتصاد وفي الإدارة والوظيفة، والعلاقات والإعلام… ما هو إلا نتيجة ما يعانيه رجاله وكبراؤه وساسته ومثقفوه وإطاراته ومنظّروه.. من حَوَلٍ فضيع في رؤيتهم لما يجب أن يعود بالصلاح والإصلاح على البلاد والعباد، فتراهم يخبطون خبط عشواء في تخطيطهم وتدبيرهم وتفكيرهم واستراتيجياتهم نتيجة حَوَل عقولهم وقلوبهم، حتى انه ليصدق عليهم قول العليم الخبير: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ.. أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَـكِن لاَّ يَشْعُرُونَ﴾.
نعوذ بالله من كل نوع من الحَوَل، ونسأل الله أن يبعد عن هذا الوطن كل أحْوَل وحوْلاء، وان يكفيه شرّ حَوَلِهم.