التفكيك الذاتي لمحميات الغرب العربية

أبو يعرب المرزوقي
لما احتل الغرب بلاد العرب في بدايات عهد الاستعمار اضطر إلى دفع المال والدم ولم ينعم بالراحة طيلة قرنين بعد أن وهنت الخلافة. ورغم الضعف والتخلف العلمي والتقني والتفكك السياسي والاجتماعي ظلت اللحمة الروحية محافظة على وحدة الأمة وأمكن للأمة بالتدريج أن تبادر فتقاوم. لكن عقلية أمراء الطوائف الذين أعدهم الاستعمار بدهاء استراتيجي سيطروا على التحرير واخترقوه ونصبهم الاستعمار ولاة على ما يسمونه دولا وهم محميات. فكانت فرصة ليسترد كلفة استعماره الأول وحماية من ينوبه في استعماره الثاني: الحكام العرب ونخبهم العميلة يفاخرون بالمحميات ويسمونها دولا وطنية. ولأول مرة في تاريخ البشرية نسمع عن أمة نخبها تدفع كلفة احتلالها ليس الحالي فحسب بل وحتى الأول الذي مكنها من تفتيت جغرافيتها وتشتيت تاريخها.
تحرك الشباب ليستعيدوا دورهم في تحقيق شروط الحرية والكرامة وما يترتب عليها من استرداد وحدة الجغرافيا والتاريخ وتجاوز الحدود الاستعمارية. ارتعبت الانظمة العميلة ومعها حماتها ففعلوا كل ما يستطيعون لتعثير الثورة بمحاصرة ثورة الشباب ليحولوا دون استئناف الأمة دورها الكوني بإيقافها. لكن محاولاتهم كلها باءت بالفشل ما فرض على القوى الاستعمارية وذراعيها الصفوي والصهيوني أن يتدخلوا مباشرة ومع ذلك فشت أفكار الثورة في الإقليم.
فانفجرت أزمة الخليج لعلتين: محاربة الثورة ومن يتعاطف معها (قطر وتركيا) لأنه بذكائه السياسي فهم استحالة معارضة الثورة والتاريخ. وفشلت مؤامرتهم ضد تركيا وظنوا قطر لقمة سائغة وخططوا لغزوها. لكن رجالها لم يكونوا نياما بل عملوا بالأنفال 60 ضد أي عدو محتمل فأسقط في أيديهم. ولما فقدوا كل حيلة بدأوا يحققون ما كانوا يصفون به الثورة مؤامرة استعمارية لتفتيت المفتت وتشتيت المشتت: فحركوا النعرات القبلية في الخليج. ولا يدرون أن ذلك قمة الغباء السياسي: فلكأنهم يحركون زلازل ليس في قطر وحدها بل في كل نسيج الخليج المتماثل في القبلية والمتداخل في الحدود. هم أنفسهم من يفتت المفتت ويشتت المشتت لأن السياسة عندهم لعبة صبيان مغفلين أو أوغاد مخترقين لمحمياتهم التي ستذروها زوابع الحروب القبلية.
ولما كانت السعودية أكبر دول الخليج فهي مثل اليمن كثيرة القبائل وكل قبيلة تتمنى أن تصبح إمارة فيصيبها التفكك الذي تهدد به قطر المنيعة. ولما كانت الإمارات فدرالية حديثة فإن تفككها سيكون أيسر من تفكك قطر التي بسبب صغرها وثرائها قد تكون أكثر حصانة من السعودية والإمارات.
يلعبون بالنار في اليمن وهي ستلتهمهم ويهددون قطر بما هم أكثر عرضة له منها. لا أغبى من قيادات السعودية الحالية: يكفي أن ترى بلادة مستشاريهم. يرون سوريا والعراق يفتتت واليمن يغرق ومصر تفقد كل وجهة وليبيا في أفسد حال والسودان ليست بأفضل حال وحتى بقية بلاد المغرب فهي تتزلزل. هي ذي لعنة ملوك الطوائف تعود أو هي بالأحرى لم تذهب حتى تعود: كل النخب العربية لا هم لها إلا الهم البيّن عند أمراء الحرب فيما يسمونه جهادا. والاحزاب التي تدعي العمل السياسي السلمي حقيقتها انها افراس طروادة تمولها المافيات التي يعلم الجميع أنها هي بدورها دمى بيد مصالح المستعمر.
كرهت مجرد الجلوس مع السياسيين. ولما رأيت لهفة الإسلاميين على الحكم سألتهم: هل تقبلون بشرطيه: الاعتراف بإسرائيل وبوضع الدمى في محمية غربية؟

Exit mobile version