لم يكن أحد منّا يتمنّى أن يحدث كل هذا

عبد اللطيف علوي
لم يكن أحد منّا يتمنّى أن يمرّ قانون المصالحة مع الفاسدين، ولو في صيغته الإداريّة المخفّفة قدر ما سمحت به التّوازنات السياسيّة الرّاهنة…
ولم يكن أحد منّا قبل ذلك يتمنّى أن يرى الضّحيّة والجلاّد يتحالفان في حكومة واحدة، كان معلوما بالضّرورة أنّها من المستحيل أن تكون حكومة الثّورة…
ولم يكن أحد منّا يتمنّى أن تقف النّهضة على الحياد في معركة الانتخابات الرّئاسيّة.
كما لم يكن أحد منّا يتمنّى أن تعلن عن قبولها بنتائج الانتخابات التّشريعيّة وقد شابها ما شابها من التّلاعب والخروقات الجسيمة…
كما لم يكن أحد منّا يتمنّى أن تسقط النّهضة قانون تحصين الثّورة…
ولم يكن أحد منّا يتمنّى أن ترضخ للحوار الوطنيّ وتتنازل عن شرعيّة انتخابات أكتوبر 2011 وتخرج من الحكومة تحت قصف الجميع إعلاما ومعارضة وأنصارا ومتفرّجين ومتربّصين…
كما لم يكن أحد منّا يتمنّى أن تخضع للابتزاز في مواقف أخرى كثيرة، ليس من المفيد كثيرا أن نضيع الوقت هنا في حصرها…
لكنّه، مهما كانت أمنياتنا وانتظاراتنا، كان علينا أن نطرح السّؤال الجدّيّ الوحيد الممكن أمام هذه الظّاهرة الّتي تبدو غريبة: ما الّذي يجعل حزبا مناضلا متجذّرا في عمقه الشّعبيّ، يتّخذ هذا المسار الّذي يصفه البعض بالانبطاح أو بالخيانة أو بالغباء إلى غير ذلك من التّوصيفات السّهلة المريحة؟
الإجابة على هذا السّؤال تحتاج إلى فتح ملفّات ثقيلة، بحجم ثقل المؤامرات الّتي عصفت بالرّبيع العربيّ منذ أوّل يوم لهروب المخلوع…
تحتاج إلى مجلّدات من الحقائق الظّاهرة والخفيّة الّتي تؤرّخ لمرحلة عاصفة من تاريخ هذا البلد، بما فيها من خيانات وحسابات خاطئة وتحالفات فاسدة جمعت كلّ أطياف اللّون السّياسيّ في تونس، من أجل سحق الأخ الأكبر العدوّ الأزليّ…
تحتاج إلى عقول قادرة على التّفكير والإنصاف، إلى عقول باردة هادئة مرنة، وليس إلى ظواهر صوتيّة فارغة من هنا وهناك، وضجيج فايسبوكي عقيم تعلو فيه أصوات الحمير والبغال والغرائزيّين وشيوخ الطّريقة الثّورجيّة الكذّابين…
حزب النّهضة ليس حزب ملائكة ولا شياطين، وسياساته ليست من قبيل التّنزيل، لكنّ تقييمها يحتاج إلى كلّ ما ذكرت، ويحتاج إلى ما هو أهمّ من ذلك بكثير…
يحتاج إلى عنصر الزّمن…
بعد سنوات، وربّما بعد عقد أو عقدين… سنكون قادرين على تقييم سياسات النهضة وخياراتها في هذه المرحلة… لأنّنا لسنا في مرحلة عاديّة من مراحل التّاريخ، نحن في مرحلة خاصّة تحتاج إلى معايير ومؤشّرات خاصّة في التّقييم…
مرحلة صراع وجود بين الاستبداد والحرّية، وصراع وجود بين النّهضة وأعدائها (لا أقول خصومها) من كلّ الأطياف…
بعد سنوات طويلة، سوف نعرف نتائج ما يحدث اليوم،… قد يكون البعض منّا شهداء وشاهدين على ما حدث… وعندها فقط… قد نكون قادرين على كتابة هذه الصّفحة العظيمة من تاريخ تونس، ومن تاريخ النّهضة، بكلّ ما لها وما عليها.

Exit mobile version