القرآن ثوري في العقائد إصلاحيّ في المعاملات
الحبيب حمام
المهارة تكون في البحث عن أحسن وسطٍ. قبول الكل جملة وتفصيلا قرار خاطئ، ورفض الكل جملة وتفصيلا قرار خاطئ كذلك، الثورية مطلوبة والإصلاح مطلوب. القرآن ثوري في العقائد إصلاحي في المعاملات. عندما تُبحر في القرآن تجده حربا معلنة، لا هوادة فيها، على عبادة الأصنام وعبادة العباد، ولكنه في المعاملات إصلاحي يقول {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}. لم يحرّم الرق، بل اعتمد طريقة إصلاحية للقضاء عليه، وهي الحث على العتق والمكاتبة وإعلان المولود من ملك اليمين حرّا من يوم ولادته، وبالتالي يقع القضاء على الرق بعد أجيال معدودة.
ليس هناك تدرّج في العقائد، وليس هناك منطقة وسطى بين الشرك والتوحيد، بل هناك قول فصل، ومفارقة قاطعة، وطلاق بيّن {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ}. ثورة على الشرك عارمة، طوفان على المعتقدات السخيفة. ليس هناك تنازل، والتقاء في الوسط {وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ}.
أما في المعاملات فهناك تقدير، وموازنة، وتقديم الأوْلى، واختيار الأيسر، والقبول بالثاني إذا كان في الأول مخاطرة، ودرء المفسدة، وجلب المنفعة، وتغليب المصلحة،.. هناك صبر على الآخر {وَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا}، دفع بالتي هي أحسن {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ}، عفو وصفح {فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ}، تثمين التوبة {فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْراً لَهُمْ}، قبول المبادرات إن رجحتم الخير فيها {وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً}. القرآن يعج بهذه المفردات والمعاني. كانت هذه تذكرة صباحية، وأسعد الله يومكم،