مثلّث الشّرّ والمحرقة

صالح التيزاوي
منذ انقلاب السّيسي في مصر، والحصار المفاجئ لقطر، فإنّ أسئلة محيّرة تقفز إلى الذّهن عن الأسباب وعن الأهداف. وليس خافيا على أحد أن السّعوديّة كانت ضالعة في الحدثين حيث بدت بإقدامها على دعم الإنقلاب العسكري في مصر وبحصارها لقطر كمن يريد أن يحصّن بيته من إعصار داهم.
فما طبيعة هذا الإعصار؟ وأيّ مكر تسلّح به “خدّام بيت اللّه الحرام للتّوقّي منه؟.
منذ صعود “ترامب” إلى الحكم شرعت بعض الدّوائر الأمريكيّة (محامون، عائلات الضّحايا، شركات تأمين) تبحث عن أدلّة تدين المملكة في أحداث 11 سبتمبر. وكان ترامب إبّان حملته الإنتخابيّة قد توعّد بمقاضاة المملكة وإجبارها على دفع تعويضات لعائلات الضّحايا. يعلم “آل سعود” جيّدا أنّ الولايات المتّحدة إذا أرادت اتّهام السّعوديّة فلن تعجزها الأدلّة. وإذا ارادت تثبيت التّهمة عليها فذلك واقع لا محالة. وإذا أدينت فإنّها ستدفع اموالا باهظة قد تأتي على مدّخراتها وعلى استثماراتها في الولايات المتّحدة. هذه الظروف والملابسات قد تكون أملت على السّعوديّة التّفكير في “قرابين” تدفع عنها الإعصار الدّاهم.
الأوّل: تقديم “الإخوان المسلمون” كمصدر لما تسمّيه أمريكا والغرب “الإرهاب الإسلامي” بديلا عن المذهب الوهّابي الذي يرى كثيرون أنّ أغلب التيّارات السّلفيّة تنهل منه. وقد وجدت
المملكة في “العسكر المصري” المتضايق من تنامي شعبيّة الإخوان بعد الثّورة ومن صعودهم إلى الحكم بما يهدّد مصالحه خاصّة “مخصّصاته الإقتصاديّة” ما يغذّي رغبتها الجامحة في قربان يبعد عنها تهمة الإرهاب ويقنع الأمريكان والعالم. “فالتقى الماء على أمر قد قدر” .العسكر يريد تبرير الإنقلاب على الإخوان الذين وصلوا إلى الحكم بطريقة ديمقراطيّة والتّخلص منهم، وإقصائهم من المشهد السّياسي، والمملكة تريد حماية رأسها و”مذهبها” ممّا يدبّره لها الأمريكان فكان إلصاق تهمة الإرهاب بالإخوان “خلاصا” للطّرفين وإن إلى حين. حيث لم يغفر العسكر في مصر والأنظمة الإستبدادية في الخليج (آل سعود وآل زايد) للإخوان أنّهم كانوا طرفا أساسيّا في إشعال الثّورات العربيّة، وانّهم كانوا أكبر المستفيدين ديمقراطيّا من نتائجها بما يهدّد أنظمة الحكم الخليجيّة إن استمرّ المدّ الثّوري في العالم العربي. لذا عمل “ثالوث الشّرّ” المدفوع صهيونيّا على دعم “أوباش” الثّورة المضادّة ومرتزقتها في بلدان الرّبيع العربي بما في ذلك تونس.
الثّاني: أمّا القربان الثاني فتمثّل في الصاق تهمة الإرهاب بدولة قطر لكونها تؤوي بعض عناصر المقاومة، وخاصّة من حركات حماس وبعض قيادات الإخوان الفارّين من بطش العسكر. ولكونها تدعم جمعيات خيريّة تقوم بأعمال إغاثيّة في مختلف أنحاء العالم وتقدّم خدماتها للمسلمين ولغير المسلمين. الأمر الذي سهّل على “ثالوث الشّرّ” إلصاق تهمة الإرهاب بقطر. علما بأن تلك الجمعيات”قطر الخيريّة” تنسّّق في كلّ أعمالها مع الأمم المتّحدة.
الثالث: أمّا القربان الثّالث فتمثّل في صفقة الأسلحة مع الأمريكان التي كلّفت “آل سعود” مبالغ باهظة بدت وكأنّها تعويض غير مباشر لضحايا 11 سبتمبر، إلى جانب تبرّعات ضخمة مافتئت السّعوديّة والإمارات تقدّمها للجمعيّات الخيريّة الأمريكيّة. وهي قرابين لن تثني الأمريكان عن المضيّ قدما في ابتزاز “آل سعود” والسّكوت عن محرقة الإخوان إلى حين لتحجيمهم والحدّ من إشعاعهم.

Exit mobile version