الهزيمة الأخلاقية الكبرى…
مهما اجتهد المصادقون على قانون تبييض الفساد المسمي تشريعا بقانون المصالحة الادارية في التبرير والتهوين للآثار المترتبة علي سنه، فإن المفاهيم المضمنة به ورمزية الأشخاص المشمولين به تكشف بموضوعية تامة عن هزيمة مدوية للمبادئ الأخلاقية الجديدة التي أرادها الشعب التونسي بديلا لمنظومة الفساد والاستبداد التي ثار عليها.
سياسياً واقتصادياً واجتماعياً يمكن للمصادقين على هذا القانون أن يجدوا أجوبة لأنفسهم، لكنهم وبكل تأكيد سيعجزون على النظر إلى صورهم في مرآة الأخلاق والمثل التي جاءت بهم إلى موقع المسؤولية.
فأن يتقاررا المصادقون في وضح النهار على القبول والعفو عن جريمة ممتدة في الزمن، غير محدودة في الآثار ليس في حق أنفسهم، وإنما في حق الإدارة التونسية لمدة أكثر من خمسين سنة دون تحميل مقترفيها أدنى مسؤولية فإنهم يكونوا قد اخلوا بالمبدأ المفترض فيهم بان أعمالهم التشريعية مصانة عن العبث بل تحولت هي ذاتها إلى البحث عن غطاء قانوني للعبث بالمصلحة العامة.
وأن تكون شعاراتهم الرئيسية محاربة الفساد ومقتضى ما صادقوا عليه ليس الا تبييضا للفساد فذلك أيضاً يؤكد هزيمتهم الأخلاقية من حيث فقدانهم للمصداقية في ترجمة تلك الشعارات.
وأن تكون أحد معايير إختيارهم من الشعب لتولي مسؤولية التشريع تسليمه بتفوقهم الأخلاقي عن غيرهم في حين أن أعمالهم التشريعية تقول انها جهد غير منته للتغطية والعفو عن الفاسدين فإن ذلك أيضاً يؤكد مأزقهم الأخلاقي.
في المحصلة انجازهم في قانون المصالحة الادارية ليس الا، قلب للمعادلة بين القانون والأخلاق لتصبح علاقة نفي وتجريد للقاعدة القانونية من قيمها الأخلاقية ولتتحول وظيفتها من معاقبة وزجر للمجرمين الى غطاء آمن للتجاوزات التي ألحقت ضرراً بمصلحة العامة.