الفرق بين حرّيّة التّعبير وحرّيّة التّبعير
عبد اللطيف علوي
جاءتني دعوات كثيرة للتّضامن مع الّذي يسمّى “الدكتور الصحبي العمري”، ومنها ما جاءني من أصدقاء أعزّاء أثق في تقديرهم للأمور، لكنّني كنت قد أخذت عهدا على نفسي بأن لا أتضامن مع أيّ “مدوّن” إن صحّ أنّه يستحقّ فعلا أن تطلق عليه هذه الصّفة، إلاّ بعد أن أتأكّد بنفسي من أنّه فعلا قد تعرّض لظلم حقيقيّ، وليس فقط لعنة أخرى من اللّعنات الّتي غزت فضاء الانترنيت لتسمّم حياة النّاس وأفكارهم وأذواقهم أكثر ممّا هي مسمّمة…
كلّ الدّعوات كانت تركّز على كونه معوقا يتعرّض للتنكيل من طرف الرّئيس وحاشية الرّئيس، لكنّ تلك الشّعبويّة في طرح القضيّة زادتني تردّدا وحذرا، لأنّ الحقّ حقّ في ذاته أو لا يكون، ولا يحتاج إلى تلك الاعتبارات الجانبيّة التي تبتزّ بها العواطف…
اليوم استمعت إلى التّصريح الّذي أدلى به “فخامته” بعد الخروج من السّجن… لم أقو على الاستماع أكثر من 10 دق من جملة ثلاثين دقيقة،
أيّ انحطاط وأيّ سقوط وأيّة سوقيّة وأيّة رقعة عفنة وهو يحرّك لسانه ليرمي رئيس الدّولة بكلّ ذلك الهراء القبيح والتّجريح والمسّ من كرامته وسمعته، ويضحك تلك الضّحكة الفاجرة القبيحة…
ليس يزعجني الأمر فقط لأنّه صدر في حقّ رئيس الدّولة، وإن كان لذلك اعتباره وقيمته مهما كان موقفك منه ماضيا وحاضرا… احترامك لمقام الرّئاسة يجب أن يتجاوز شخص الرّئيس أيّا كان، ويتعلّق باحترام الدّولة ومؤسّساتها، ومن لا يؤمن بذلك فلا يليق به سوى داعش وأخواتها…
قلت إنّه لا يزعجني الأمر فقط من تلك النّاحية، فحتّى لو كان مجرّد مواطن بسيط، يجب أن يحمى من أيّ شيء يهتك عرضه ويستخفّ بشرفه علنا على الملأ بحجّة أنّه مدوّن ويمارس حرّية التّعبير، ثمّ بمجرّد أن يلقى عليه القبض يصبح شهيدا للحرّية وللثّورة…
أمثال هذا الدّكتور، (وإن كنت لا أعرف هو دكتور في ماذا، لكنّ الواضح أنّ الصّفة الأصحّ التي تليق به هي المريض نفسيا وعقليّا وأخلاقيّا) أمثاله هم من جعلوا النّاس يكفرون بالثّورة ويقولون: أنتم شعب متخلّف همجيّ لا تصلح له إلاّ عصا بن علي ولا يستحقّ كرامة ولا حرّية…
لكنّني أقول: حتّى الديمقراطية يجب أن تكون لها أنيابها ومخالبها، ويجب أن تقتصّ لشرف النّاس وعرضهم بالقانون أيّا كان المستهدف، رئيس الدّولة أو غيره…
لا يجب أن نصفّق لثقافة السّقوط والنّذالة بحجّة أنّنا نختلف مع الرّئيس وظنّا أنّنا ننتقم بذلك للرئيس المرزوقي…
ولا يجب أن نغترّ مستقبلا بحملات التّضامن الآليّة مع هذا “المدوّن” أو ذاك دون أن نتثبّت من حقيقة ما ينشر، فكم على هذا الفضاء من مجانين ومرضى وحمقى ومرتزقة وصعاليك بصفة مدوّنين…