ھیومن رایتس ووتش
التعذيب والأمن الوطني في مصر تحت حكم السيسي
سبتمبر/أيلول 2017
ملخص
منذ یولیو/تموز 2013، عندما أطاح الجیش المصري بأول رئيس منتخب بحریة في البلاد، عاد التعذيب كورقة رابحة للأجھزة الأمنیة، وساعد انعدام المساءلة تجاه ممارساته المنھجیة في تحدید شكل نظام الحكم السلطوي الذي یقوده الرئیس عبد الفتاح السیسي.
حاول السیسي الوصول إلى الاستقرار السیاسي مھما كان الثمن، وھو ما منح وزارة الداخلية – مؤسسة الأمن الرئیسیة في البلاد- الحریة الكاملة لارتكاب الانتھاكات ذاتھا التي أشعلت انتفاضة عام 2011، استخدمت الشرطة العادیة و”قطاع الأمن الوطني” التابعین لوزارة الداخلیة على نطاق واسع الاعتقالات التعسفیة، الإخفاء القسري، والتعذیب ضد معارضین مشتبه بھم، زعم أن العدید منھم یتعاطفون مع “الإخوان المسلمون”، الجماعة الرئیسیة التي تعارض السیسي. حددّت “التنسیقیة المصریة للحقوق والحریات” (التنسیقیة المصریة)، وھي مؤسسة حقوقیة مستقلة، 30 شخصا ماتوا تحت التعذیب أثناء احتجازھم في مراكز الشرطة ومواقع الاحتجاز الأخرى التابعة لوزارة الداخلیة، بین أغسطس/آب 2013 ودیسمبر/كانون الأول 2015. في 2016، أفادت التنسیقیة المصریة أن محامیھا تلقوا 830 شكوى بشأن التعذیب، وأن 14 شخصا آخرین ماتوا من التعذیب أثناء الاحتجاز.
یبین ھذا التقریر، استنادا إلى مقابلات مع 19 محتجزا سابقا وعائلة معتقل آخر تعرضوا للتعذیب بین 2014 و 2016 كیف یستخدم عناصر وضباط الشرطة والأمن الوطني التعذیب بانتظام أثناء تحقیقاتھم، لإجبار المعارضین المشتبھ بھم على الاعتراف أو الكشف عن معلومات أو لمعاقبتھم.
وصف المحتجزون السابقون الذین تمت مقابلتھم لإعداد ھذا التقریر ما یشكل سلسلة إجراءات متكاملة لارتكاب الانتھاكات بھدف تلفیق قضایا ضد المعارضین المشتبھ بھم، تبدأ بالاعتقال التعسفي، ثم تستمر بالتعذیب والاستجواب خلال الاخفاء القسري، وتنتھي بتقدیمھم أمام وكلاء النیابة، الذین كثیرا ما یضغطون على المحتجزین لتأكید اعترافاتھم دون اتخاذ أي تدابیر للتحقیق في الانتھاكات التي یتعرضون لھا. شجع وكلاء النیابة في حالات عدیدة وثقتھا “ھیومن رایتس ووتش” على إساءة المعاملة عن طریق تأكید تواریخ الاعتقال المزورة التي قدمھا عناصر الأمن الوطني، الذین زعموا أنھم قبضوا على المشتبھ فیھم قبل یوم من تقدیمھم إلى النیابة العامة، مما أدى بالفعل إلى محو السجل الرسمي للإخفاء القسري. ھدد أحد وكلاء النیابة بإعادة محتجز إلى التعذیب. شارك 2 في الضرب بنفسیھما، وفقا للمحتجزین السابقین وأسرھم.
انتھكت كل خطوة من ھذه الخطوات الدستور المصري، الذي یحظر بوضوح الاعتقالات دون مبرر والاستجواب دون حضور محام، ویطالب بأن یسُمح للمحتجزین بالبقاء صامتین وتقدیمھم إلى النیابة العامة خلال 24 ساعة وإبلاغھم فورا بسبب اعتقالھم، والسماح لھم بالاتصال بمحام وأحد أفراد عائلتھم. یحظر الدستور التعذیب، التخویف، الإكراه، والأذى “البدني أو المعنوي” بحق المحتجزین، ویحدد أن التعذیب جریمة لا تسقط بالتقادم. ینص أیضا على وجوب تجاھل أي إفادة یدلي بھا المحتجز تحت التعذیب أو التھدید بالتعذیب. تعكس ھذه المعاییر التزامات مصر بموجب أبسط قواعد القانون الدولي لحقوق الإنسان، التي تحظر التعذیب بحزم في جمیع الظروف. لكن مصر لم تف بھا.
قال المعتقلون السابقون الذین قوبلوا في ھذا التقریر إن تجاربھم كانت تبدأ عادة بمداھمة منازلھم فجرا، أو اعتقالھم من الشارع قرب مكان یعرف ارتیادھم إیاه، مثل المنزل أو الجامعة أو مكان العمل. لم یظھر رجال الشرطة أو الأمن الوطني للمشتبھ فیھم مذكرة توقیف أو أخبروھم عن سبب اعتقالھم، في أي من الحالات التي وثقتھا ھیومن رایتس ووتش. في بعض الحالات، اعتقلوا أفراد الأسرة في نفس الوقت. ثم نقل العناصر المشتبھ فیھم إلى مراكز الشرطة أو مقرات الأمن الوطني.
من بین الحالات ال 20 التي وثقتھا ھیومن رایتس ووتش، تعرض 13 محتجزا للتعذیب في مقرات الأمن الوطني، و 5 في مراكز الشرطة، و2 في كلا المكانین. تعرض 6 رجال للتعذیب في المقر الرئیسي للأمن الوطني داخل وزارة الداخلیة بالقرب من میدان لاظوغلي في القاھرة، وھو المكان الذي تحدث المحتجزون عن تعرضھم للتعذیب فیھ على مدى عقود. في 5 حالات، استخدم عناصر الأمن التعذیب لإرغام المشتبھ فیھم على قراءة اعترافات مكتوبة مسبقا أمام الكامیرا، لتسجیل فیدیوھات نشرتھا وزارة الداخلیة في بعض الأحیان على قنوات التواصل الاجتماعي.
لا تمثل الشھادات في ھذا التقریر إلا بعض من حالات التعذیب الكثیرة التي وثقتھا ھیومن رایتس ووتش تحت حكم السیسي، والتي شملت أطفالا تعرضوا للتعذیب في الإسكندریة بعد اعتقالھم بسبب التظاھر؛ رجالا تعرضوا للتعذیب من قبل عناصر الأمن الوطني والاستخبارات العسكریة بعد تفجیر في كفر الشیخ؛ ومستشار وزارة المالیة السابق وشقیقھ، اللذین تعرضا للتعذیب بالصدمات الكھربائیة على ید عناصر الأمن الوطني لإرغام المستشار على الاعتراف. بأنھ عضو في الإخوان المسلمین. سجّل صحفیون ومنظمات غیر حكومیة عشرات الحالات الإضافیة منذ 2013 وفقا للمعتقلین، تبدأ جلسة التعذیب النموذجیة بتعریض عناصر الأمن المحتجز وھو معصوب العینین وعار ومقید الیدین للصدمات الكھربائیة بأداة الصعق، وفي كثیر من الأحیان في أماكن حساسة مثل الأذنین أو الرأس. في نفس الوقت، یصفعون المشتبھ بھ أو یلكمونھ أو یضربونھ بالعصي والقضبان المعدنیة. إذا لم یقدم المحتجز إجابات مرضیة على أسئلتھم الأولیة، یزید العناصر مدة الصدمات الكھربائیة ویستخدمون أداة الصعق على أجزاء أخرى من جسمه، بما فیھا أعضاؤه التناسلیة. یستخدم المحققون الأسلاك المكھربة أیضا في بعض الأحیان.
بعد الصدمات الكھربائیة، یستخدم الأمن أسلوبین رئیسیین لإلحاق ألم شدید بالمشتبھ بھم. في الأول، یقید العناصر یدي المشتبھ بھ خلف ظھره، ویسحب یدیھ، ویعلق أصفاده على الحافة العلویة من الباب، لیرفعھ فوق الأرض، وھي وضعیة غیر طبیعیة تسبب ألما شدیدا في الظھر والكتفین، وأحیانا تتسبب بخلعھما. یسحب بعض العناصر ساقي المشتبھ بھ لزیادة الألم. وفي أشكال أخرى لھذه الطریقة یُعلق المشتبھ بھ من أصفاده على خطاف في السقف، لیُرفع بشكل غیر طبیعي من الخلف. أما وضعیة الأسلوب الثاني، التي تسمى “الفرخة” أو “الشوایة”، فتشمل وضع المشتبھ بھ على ظھره على الأرض، ووضع ركبتیھ فوق عصا أو قضیب، وتلُف یدیھ حول القضیب من الجانب الآخر بحیث یربط القضیب بین المرفقین الملتویین والجزء الخلفي من ركبتیھ، وترُبط یدیھ معا فوق قدمیھ لتأمین الوضعیة. عندما یرفع العناصر القضیب ویعلقون المشتبھ بھ في الھواء، یبدو كدجاجة على شوایة، ویتسبب وزن المشتبھ بھ بألم شدید في الأكتاف والركبتین والذراعین.
یبقي العناصر المشتبھ بھم في وضعیات التعذیب ھذه فترات زمنیة تتراوح بین دقائق وساعات، وكثیرا ما یضربونھم ویصدمونھم بالكھرباء وھم معلقون وغیر قادرین على الدفاع عن أنفسھم.
في عدة حالات، تجاوز عناصر الأمن ھذه الطرق المعتادة للتعذیب. قال أحد المعتقلین السابقین ل ھیومن رایتس ووتش إن العناصر في مركز شرطة في القاھرة اغتصبوه مرارا بإدخال عصا في فتحة الشرج. قال آخر إن ضباط الأمن الوطني في وزارة الداخلیة ھددوا باغتصابھ. قال محتجز سابق لدى عناصر الأمن الوطني في منشأة بمحافظة الجیزة إنھم اقتلعوا أحد أظافره بكماشة وآخر بأسنانھم. قال محتجز آخر في وزارة الداخلیة إن عنصرا من الأمن الوطني غرز في ذراعھ مسمارا معدنیا ملفوفا بأسلاك مكھربة لزیادة آلام الصدمات الكھربائیة. قال محام احتجزه عناصر الأمن الوطني في منشأة في محافظة الغربیة إنھم لفوا سلكا حول قضیبھ لصدمھ بالكھرباء. قال 3 محتجزین سابقین ل ھیومن رایتس ووتش إن عناصر الأمن ھددوا بتعذیب أفراد أسرھم إذا لم یعترفوا.
في معظم الحالات، أوقف عناصر الشرطة والأمن الوطني استخدام التعذیب بمجرد حصولھم على اعترافات أو أسماء أصدقاء ومعارف المشتبھ بھم. لكن لم یعنِ ذلك أن محنتھم قد انتھت. في جمیع الحالات تقریبا، كان التعذیب والاستجواب بمثابة مقدمة لإجراءات الادعاء، التي انتھى بعضھا إلى المحاكمة.
قال محتجز واحد فقط من المحتجزین السابقین ال 19 الذین قابلتھم ھیومن رایتس ووتش، وھو طالب ضربھ عناصر الشرطة، صدموه بالكھرباء، علقوه إلى السقف، واغتصبوه باستخدام عصا، إن العناصر أخذوه إلى وكیل النیابة خلال 24 ساعة من القبض علیھ، حسبما یتطلب القانون المصري. قال 10 محتجزین إن العناصر احتجزوھم بصورة غیر مشروعة لأكثر من أسبوع قبل تقدیمھم إلى وكیل النیابة. انتظر 8 من ھؤلاء الرجال شھرا على الأقل لرؤیة وكیل النیابة. لم یسمح لأي منھم الاتصال بمحامین أو أقارب لھم مسبقا. من بین المعتقلین العشرة الذین رأوا وكیل النیابة في غضون أسبوع من اعتقالھم، لم یسمح لأغلبیة المحتجزین بمحام حتى أثناء استجوابھم.
یقتضي القانون الدولي تقدیم المحتجزین بسرعة إلى قاض، عادة في غضون 48 ساعة، لاستعراض احتجازھم، ولكن القانون المصري لا یوفر مثل ھذه الحمایة. یمنح “قانون الإجراءات الجنائیة” المصري النیابة العامة، ولیس القضاة، سلطة تجدید الاحتجاز السابق للمحاكمة في جمیع القضایا الخطیرة التي تنطوي على جرائم سیاسیة أو متعلقة بالأمن الوطني، ما یسمح للنیابة العامة باحتجاز المعتقلین مؤقتا لمدة تصل إلى 18 شھرا، وإذا كانت الجریمة یعاقب علیھا بالإعدام أو السجن مدى الحیاة، لمدة تصل إلى سنتین. رغم أنھ على القضاة في نھایة المطاف مراجعة اعتقال المشتبھ فیھ خلال ھذه الفترة، إلا أن قرار تجدید الاعتقال من صلاحیة النیابة العامة.
قال جمیع المحتجزین السابقین الذین قابلتھم ھیومن رایتس ووتش، باستثناء واحد منھم، إنھم أبلغوا وكلاء النیابة العامة بتعذیبھم، ولم یشھدوا في أي حالة دلیلا على أن ھؤلاء اتخذوا أي إجراء للتحقیق في ادعاءاتھم، وفقا لما یقتضیھ القانون الدولي. ھذا یتناقض مع الادعاءات التي تكررھا مصر في المحافل الدولیة، ومفادھا أن وكلاء النیابة یحققون في جمیع مزاعم الانتھاكات.
أدى التعذیب الممنھج والإفلات من العقاب على ممارستھ إلى خلق مناخ لا یرى فیھ من یتعرضون للإساءة أي فرصة لإخضاع المسیئین للمساءلة. لم یحاول معظم المحتجزین الذین قابلتھم ھیومن رایتس ووتش السعي إلى تحقیق للمساءلة بعد أن تجاھل الادعاء مزاعمھم بالتعذیب. كما وجد معظمھم أنفسھم مطلوبین من قبل عناصر الأمن الوطني في قضایا جدیدة بعد الإفراج عنھم، واعتقدوا أن أي اتصال آخر مع نظام العدالة الجنائیة من شأنھ أن یولد لھم محنة أخرى طویلة من سوء المعاملة والاخفاء.
الممارسات المحددة الموثقة في ھذا التقریر بالتأكید لیست جدیدة. سجّلت ھیومن رایتس ووتش استخدامھا لأول مرة في بدایة عام 1992، وكتبت حینھا أن “جھاز مباحث أمن الدولة” (أمن الدولة)، الذي تمت إعادة تسمیتھ “قطاع الأمن الوطني”، لدیھ “نظام لتدریب أفراد أمن الدولة على تقنیات التعذیب”. في عام 1996، خلصت “لجنة مناھضة التعذیب التابعة للأمم المتحدة” إلى أن “التعذیب یمُارس بشكل منھجي من قبل قوات الأمن في مصر، ولا سیما من قبل مباحث أمن الدولة”. خلص تحقیق ثانِ في حالة مصر، نشرت نتائجھ “لجنة مناھضة التعذیب” في یونیو/حزیران 2017، إلى أنھ “یفلت مرتكبو أعمال التعذیب على الدوام تقریبا من العقاب، وأن “الحقائق التي جمعتھا اللجنة تقود “إلى استنتاج لا مفر منھ وھو أن التعذیب ممارسة منھجیة في مصر”.
یبین ھذا التقریر، وتقاریر أخرى نشرتھا منظمات غیر حكومیة مختلفة على مدى السنوات ال 25 الماضیة، أن عناصر الشرطة والأمن الوطني ارتكبوا على مدى عقود أنواعا متطابقة من التعذیب في مراكز الشرطة ومدیریات الأمن ومقرات الأمن الوطني في جمیع أنحاء البلاد، ما یشیر إلى أن الممارسة كانت آنذاك وما زالت الآن منھجیة ومنتشرة على نطاق واسع. بموجب القانون الدولي، یمكن اعتبار التعذیب جریمة ضد الإنسانیة، تحاكَم أمام “المحكمة الجنائیة الدولیة” إذا ارتكُبت “في إطار خطة أو سیاسة عامة أو في إطار عملیة ارتكاب واسعة النطاق”. تعتقد ھیومن رایتس ووتش أن وباء التعذیب في مصر یشكل على الأرجح جریمة ضد الإنسانیة.
رغم الانتفاضة التي شھدتھا كافة أنحاء البلاد في عام 2011 والتي تأججت إلى حد كبیر بوحشیة قوات الأمن، استمر التعذیب رغم 4 تغییرات متتالیة في النظام. لم تكن ھذه النتیجة محتومة. بعد الانتفاضة، ترأس إصلاح قطاع الأمن جدول أعمال كل مجموعة سیاسیة وحركة احتجاج تقریبا. بدا أن الوقت قد حان لإعادة بناء وزارة الداخلیة، المؤسسة التي تمثل قلب إرھاب الدولة لآلاف المصریین. لكن منذ البدایة، عرقلت كل من الحكومات العسكریة والمدنیة الإصلاح، ولم تجر تحقیقا شاملا في انتھاكات وزارة الداخلیة لسنوات سبقت الانتفاضة وأدت إلى اندلاعھا.
منذ أن أطاح الجیش بالرئیس السابق محمد مرسي عام 2013، أعادت السلطات تشكیل وتوسیع الأدوات القمعیة التي عُرفت أثناء حكم الرئیس حسني مبارك الذي دام نحو 30 عاما قبل الانتفاضة. ازدادت حالات الاخفاء القسري وسوء المعاملة في السجون والتعذیب والقتل خارج القضاء بشكل ملحوظ بعد مارس/آذار 2015، عندما عیّن السیسي مجدي عبد الغفار وزیرا للداخلیة، وھو من قدامى المسؤولین في أمن الدولة والأمن الوطني ل 3 عقود. في 9 أبریل/نیسان 2017، أعلن السیسي حالة الطوارئ، بعد التفجیرات الانتحاریة التي نفذھا تنظیم “الدولة الإسلامیة” (المعروف أیضا ب “داعش”) في كنیستین أسفرت عن مقتل 45 شخصا، وركز في القانون على صلاحیات الاعتقالات والمراقبة والاحتجاز التي تمارسھا الشرطة والأمن الوطني. لا تزال حالة الطوارئ ھذه قائمة حتى وقت إعداد ھذا التقریر.
حتى قبل حالة الطوارئ، عملت قوات الأمن مع إفلات تام من العقاب. وجدت ھیومن رایتس ووتش خلال مراجعتھا معلومات متاحة للجمھور 6 قضایا فقط استطاع فیھا وكلاء النیابة نیل حكم بإدانة عناصر في وزارة الداخلیة متھمین بتعذیب المعتقلین منذ یولیو/تموز 2013، من بین مئات من مثل ھذه المزاعم. لم یبد أن أیا من ھذه الأحكام أیدتھ محكمة الاستئناف حتى وقت إعداد ھذا التقریر للنشر. حتى الآن، لم تُصدر أي محكمة في التاریخ المصري الحدیث حكم إدانة نھائي ضد عنصر في أمن الدولة أو الأمن الوطني لارتكاب انتھاكات.
یتمتع موظفو إنفاذ القانون بحریة في البیئة التي یحددھا قانون الطوارئ، ولا یشكك القضاة ووكلاء النیابة العامة المكلفون بذلك في أعمالھم. في الوقت نفسھ، عمدت السلطات إلى تقویض الجھود داخل مصر لمكافحة التعذیب بإغلاق “مركز الندیم لتأھیل ضحایا العنف والتعذیب”، وھي المنظمة الأبرز في البلاد والمكرسة لتوثیق الضحایا ومعالجتھم، ومن خلال فتح تحقیقات ضد القضاة والمحامین الذین وضعوا تشریعات لمكافحة التعذیب. حتى الآن، لم تتحقق آثار الحكم الصادر في 3 یولیو/تموز 2017 عن “المحكمة الإداریة العلیا”، الذي یأمر وزارة الداخلیة بالتحقیق في أماكن تواجد جمیع المواطنین المفقودین، بمن فیھم الذین یدُعّى أنھم أخُفوا قسرا. في الماضي، تجاھلت وزارة الداخلیة ھذه الأحكام بشكل صارخ مرارا وتكرارا.
في الوقت نفسھ، لا یزال المسؤولون الحكومیون على أعلى مستوى ینكرون خطورة وباء التعذیب، محاكین موقف إدارة مبارك بأن التعذیب یرتكَب أحیانا وفقط من قبل عناصر في حالات فردیة. عندما سُئل السیسي وعبد الغفار عن التعذیب في مصر، استخدما جملا محددة بأن التعذیب لا یحدث في السجون، وھو ما یبدو وكأنھ محاولة تجنب مناقشة التعذیب المتفشي في أماكن أخرى، في مراكز الشرطة ومقرات الأمن الوطني. رغم الأدلة الدامغة التي تخالف التصریحات، ذكر وفد مصر لدى “مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة” خلال المراجعة الدوریة الشاملة الخاصة بالبلاد أواخر عام 2014 أنھ “یحُققَّ في جمیع ادعاءات التعذیب وسوء المعاملة، ویقُدم الجناة إلى العدالة”.
یوضح ھذا التقریر أن ھذه التصریحات غیر صحیحة، ویعید تقدیم النتائج ذاتھا التي توصلت إلیھا ھیومن رایتس ووتش ومنظمات أخرى خلال سنوات من العمل، بأن الإطار القانوني الذي یجرّم التعذیب في مصر لا یزال غیر كاف ولا یفي بالتزامات مصر الأساسیة بموجب القانون الدولي، مما یسمح للضباط والعناصر المسیئین بالتھرب من العدالة. كما یوثق أن النیابة العامة – السلطة المخولة بالتحقیق في انتھاكات وزارة الداخلیة – تقوم بانتظام بتجاھل الشكاوى المتعلقة بالتعذیب، تدعم صراحة أو ضمنا استخدامھا من قبل الشرطة أو عناصر الأمن الوطني، نادرا ما تمارس سلطتھا القانونیة لإجراء زیارات تفتیش غیر معلنة إلى مراكز الشرطة، ولا تجري مثل ھذه الزیارات نھائیا لمقرات الأمن الوطني. لا یستطیع “المجلس الوطني لحقوق الإنسان”، وھو الھیئة الوحیدة الأخرى التي یأذن لھا القانون بزیارات الاحتجاز، فعل ذلك إلا بعد الحصول على إذن من مسؤولي الشرطة أو الأمن الوطني المعنیین، مما یجعل ھذه السلطة عملیا بلا معنى.
توصي ھیومن رایتس ووتش بأن یوجھ الرئیس السیسي وزارة العدل على الفور إلى إنشاء منصب مدع خاص أو مفتش عام للتحقیق في الشكاوى المتعلقة بإساءة المعاملة من قبل ضباط وعناصر وزارة الداخلیة، ومقاضاة ھذه الشكاوى في المحكمة، والاحتفاظ بسجل متاح للجمھور للشكاوى الواردة ونتائج التحقیقات. في الوقت نفسھ، نحثّ البرلمان على تعدیل تعریف التعذیب في المادة 126 من قانون العقوبات لجعلھ یتماشى مع “اتفاقیة الأمم المتحدة لمناھضة التعذیب وغیره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسیة أو اللاإنسانیة أو المھینة”، وتشدید العقوبات في المادة 129 المتعلقة باستخدام المسؤولین للعنف، وزیادة العقوبات المنصوص علیھا في المادة 282 المتعلقة بالتعذیب أثناء الاحتجاز غیر القانوني من أجل جعل ھذه العقوبات تتناسب مع خطورة الجرائم.
بموجب القانون الدولي، یعُامل التعذیب باعتباره جریمة من اختصاص الولایة القضائیة العالمیة، ما یعني أنھ یمكن مقاضاتھا في أي مكان. تلُزم الدول بتوقیف أي شخص في أراضیھا یشتبھ في تورطھ في التعذیب والتحقیق معھ، وأن تحاكمھ إذا كانت ھناك أدلة كافیة على إدانتھ. رغم أنھ من الأفضل لضحایا التعذیب محاسبة مرتكبیھ في البلد الذي وقع فیھ التعذیب، إلا أن الولایة القضائیة العالمیة تعمل كشبكة أمان عندما تكون الدول، مثل مصر، غیر راغبة أو غیر قادرة على التحقیق بشكل صحیح ومحاكمة المشتبھ بارتكابھم التعذیب.
في غیاب جھد جدي من قبل حكومة السیسي لمواجھة تفشي التعذیب، نحث الدول الأعضاء في الأمم المتحدة على التحقیق مع عناصر الأمن المصریین وغیرھم من المسؤولین المتھمین بارتكاب التعذیب أو السماح بحدوثھ، وإذا اقتضت الضرورة مقاضاتھم في محاكمھا، وفقا لمبدأ الولایة القضائیة العالمیة.
https://www.hrw.org/ar