أبو يعرب المرزوقي
حرب الكاريكاتورين جاهلية التأصيلي والتحديثي الناكصين
إليكم “دوغم” العلمانيين في بلاد العرب. حكمهم المسبق: الإسلاميون متخلفون يتزعمون قواعد شعبية امية. مفترضين أنهم متقدمون يمثلون نخبة الشعب.
ويبدو هذا الحكم المسبق قابلا للتصديق إذ غالبا ما تكون الأقلية وقياداتها نخبة والأغلبية وقياداتها عامة. والكثير يصدق أصحاب هذا الـ”دوغم”.
لكن فلنتجاوز الحكم المسبق والدوغم الذي لا دليل عليه غير هذه المقابلة المعتادة بين الأقلية النخبوية والأكثرية العامية: ولننظر في الوقائع.
والوقائع نوعان:
1. نتائج عمل هذه النخبة وعلاماتها
2. شروط انتخابها وعلاماتها
فالمحك في هذه الحالة الافعال لا الأقوال وحقيقة النخبة لا المظهر.
فما نتائج أفعال هذه النخبة وما علاماتها؟
لا أحد ينكر أن من يحكم بلاد العرب في جميع تعينات الحكم ليس الإسلاميون بل العلمانيون وعملاؤهم.
والسؤال هو: هل يوجد في النتائج ما يمكن اعتباره علامة على أنهم متقدمون في غير ما حصل في بلاد العرب من نكبات تبث التخلف والرجعية المطلقة؟
من ينكر فشلهم بعلامات ضبابية الرؤية وبقشور الحياة الحديثة وبمافياوية الاقتصاد وبسفاسف المعرفة وبتبعية الإرادة السياسية؟ فلم دعوى الريادة؟
يكفي أن تقارن حال الدول التي اسسوها وحكموها منذ ما يناهز القرن هل هي قابلة للمقارنة في أي من هذه المجالات مع ما يحدث في غيرها من البلاد؟
الرؤية محاكاة قردية ونمط العيش الحديث قشور والاقتصاد تجارة المافيات والتعليم محو أمية والإرادة السياسية لا تتجاوز وضع المحميات المتسولة.
لا أحد يمكن أن ينفي أيا من هذه العلامات الدالة على الفشل الذريع في هذه النخبة الدعية التي حولت بلاد العرب إلى محميات متسولة رعاية وحماية.
ولما كانت النتائج هي ما وصفنا فلا بد من تفسير. وتفسير خصائص المعلول يكون خصائص العلة: هذه صفات نتائج عملهم وتفسيرها بصفات عامليها.
فما هي خصائصهم أليست هي ما يفاخرون به ويعتبرون خصومهم فاقدين لها؟
يدعون أن لهم التكوين الحديث والكفاءة المضاهية لنظرائهم في الدول الحديثة. لكن النتائج على أرض الواقع تثبت أن ما حققوه مناف للتكوين الحديث ولما يحققه نظراؤهم في الدول الحديثة. وإذن فدعواهم النخبوية هي أكبر كذبة. لن أتكلم في نفي ما يدعونه من تكوين حديث وكفاءة بمقياس نظرائهم في الغرب وينفونهما عن الإسلاميين خلال حكم ما تركوه من خراب لمدة سنتين. يحاولون إنساء الناس حكمهم لنصف قرن بنسبة الوضع الحالي لسوء تكوين الإسلاميين وعدم كفاءتهم: مدعين أن تونس جنة أفسدها حكم الإسلاميين في سنتين. هبنا سلمنا أن الناس ستنسى الماضي وستتغافل على حاضر التعطيل كل محاولة للإصلاح بتخريب قصدي خلال حكم الإسلاميين فنتائج عودتهم فضحتهم نهائيا. وبذلك بات من الواجب أن نسأل عن صحة تكوينهم ليس من حيث الحداثة فحسب بل من حيث الوجود وعن صحة معادلتهم لمن يدعون مناظرته في التكوين الحديث.
فالمعلوم أن النخب في المجتمعات يتبين تكوينها في خمس صفات هي صفات أنواعها: نخبة الوجود ونخبة الحياة ونخبة القدرة ونخبة العلم ونخبة الإرادة.
وهذه النخب هي الفلاسفة ورجال الدين للرؤية والفنانون للحياة والاقتصاديون للقدرة والعلماء للمعرفة والساسة للإرادة وتلك هي النخب القائدة.
سؤال: أليس تكوين النخب العسكرية والقبلية التي تحكم العرب ونتائجها هما علة تخلفنا بالقياس إلى من كان مثلنا بل ودوننا في بداية الاستقلال؟
فتكون الإرادة والمعرفة والقدرة والحياة والوجود فاسدة: نخبة السياسة ونخبة العلم ونخبة الاقتصاد ونخبة الفن ونخبة الرؤى التي حكمت هي العلة. حاولوا أن يخفوا ذلك بما يزعمونه من فشل الإسلاميين الذين لم يحكموا إلا شكليا مدة سنتين في تونس وسنة في مصر فكذبتهم عودتهم التي بينت فسادهم. فنتساءل عن تكوينهم ومنجزاتهم. أما الساسة فيكفي أن ترى جبهة الانقاذ في مصر وتونس. وأما العلماء فيكفي أن ترى حصيلة الجامعات العربية. وأما الاقتصاديون فيكفي أن ترى مافيات تهريب السلع للداخل لإفساد شروط بناء الاقتصاد وتهريب العملة للخارج لتفليس البلد وتفقيره بالحكم الخفي. وأما الفنانون فيكفي أن تشاهد مسلسلاتهم التي لا تتجاوز بلادة السخرية من الصعيد في مصر ومن البدو في تونس لتعلم ما هم عليه من انحطاط. وأما أصحاب الرؤى فيكفي أن تسمع القمني في مصر والشرفي في تونس حتى تعلم أن من لا بصر له ولا بصيرة صار صاحب رؤية في العور في بلاد أعموا شعوبها.
هل هذا الكاريكاتور النخبوي يمكن الكلام على نخبة تقدمية وحداثية؟
ما الفرق بينهم وبين كاريكاتور التأصيل الذي يتصورون الإسلاميين من جنسه؟
يحاول كاريكاتور التحديث بقصد الخلط بين الإسلاميين وكاريكاتور التأصيل لأن هؤلاء يجانسونهم في الكاريكاتورية: الفرق الوحيد يكمن في المرجعية.
كاريكاتور التأصيل نكوص إلى الجاهلية العربية واعتباره إسلاما.
وكاريكاتور التحديث نكوص إلى الجاهلة الغربية (الاستعمار) واعتبارها حداثة.
الحرب الأهلية بين الجاهليتين والكاريكاتورين هي التي أوجدت أمراء حرب أهلية رمزية ومسلحة هما نوعا الإرهاب الذي يعاني منه العرب منذ قرن. وأمراء الحرب مليشيات بالقلم وبالسيف يحاربان الامة والإسلاميين الذين يسعون للتخلص من الكاريكاتورين بالجمع بين الكونيتين الروحية والعقلية. فالإسلام والحداثة بما فيهما من كوني غير جاهلية العرب وجاهلية الغرب بل هما الإنسانية التي تجعل تعمير الارض بقيم التعالي على الإخلاد إليها.