Site icon تدوينات

مناورات السبسي سياسوية تغرق البلاد في التبعية

أبو يعرب المرزوقي

أبو يعرب المرزوقي

أبو يعرب المرزوقي
ما أظن أحدا يجهل أني غادرت السياسة منذ استقالتي من المستشارية وأني حافظت على الاستقلالية فيها فلم أدخل أي حزب من أحزاب الترويكا وكنت محايدا.
لكن ذلك لم يمنعني من التعبير عن أمرين:
– محاولة التوفيق بين الإسلامي والقومي أولا ثم بين اليساري والليبرالي.
– ثم الدعوة قدر المستطاع للمصالحة.
وكنت أتصور أن السبسي لما قرر التوافق والحكم مع النهضة رغم تحرزاته كان قد فهم درس النظامين السابقين وأن سنه ستحول دون المناورات غير الشريفة. ولهذا كتبت ما كتبت فدعاني وتكلم معي كلاما ظننته بحميميته المتعلقة بترجمته الذاتية دليل السعي لكتابة اسمه في تاريخ تونس بما يليق بسنه وخبرته. فصارحته -خلال ساعة ونصف مدة اللقاء- بأن الانتساب للبورقيبية وحده لا يكفي لتخليد اسمه إلا إذا فاقه بأمرين:
ترك معالم رمزية
وإصلاح أخطاء وقع فيها
فأما المعالم فقد شرحت وجهة نظري وأظنه بفطنته لم يغب عنه مغزاها. وأما الاخطاء فكان كلامي فيها تلميحا دون تصريح لظني أن الثورة وفت وكفت. ثم بالتدريج بدأت أقتنع أن خطابه كان مزدوجا: ما يعلن عنه غير ما يخفيه وأن الخطة بقيت لديه خطة النظامين السابقين وإن بأسلوب يتصوره أذكى.
لذلك كتبت منبها للمستهدفين من هذه الخطة. ولم يكن بوسعي ألا أفعل ولا كذلك أن يتجاوز كلامي التحليل دون أن تكون الأدلة نقلية بمعلومات موثوقة. واليوم شرح تصريحاته وتلميحاته التي بدأت عنيفة في البداية وظننتها من مزايدات المعارضة ثم بالتدريج بدأ يتكلم على “مدننة” الإسلاميين والنهضة. وأمكن تصديقه بنحو ما لأن كلامه جاء في حيزين يصعب أن يقوله لو لم يكن مقتنعا بها أو على الاقل مقتنعا بضرورتها حتى يتمكن فيغير موازين القوة. اليوم كشر على الانياب وأظنه قد وقع في خطأ حساب مهلك. فلن يستطيع ما لم يستطعه بورقيبة ولا ابن علي: أي مبادرة لعزل الإسلاميين انعزال عن الشعب.
صحيح أن المناخ الإقليمي والدولي يبدو مشجعا على هذه الخطوة. لكنه مناخ خداع: حاجة العالم لاستعمال كل طاقاته لإيقاف الثورة دليل رصيدها الشعبي. لا مستقبل للثورة المضادة. ولا جدوى للمناورات. تونس وكل البلاد العربية لا يمكن بعد الثورة أن تحكم بغير إرادة شعبها التي تحررت ولن يخيفها أحد. قد تحجب المناورات السياسوية هذه الحقيقة. لكنها لن تغيرها. ناوروا بحكومات ستغرق البلد في المزيد من التردي لكنها لن تغير رفض الشعب للمافيات. أجلوا ما استطعتم الحسم الشعبي بالصناديق لتحكموا بالأمر الواقع لكن كلما ناورتم خسرتم فالشعب فاهم أنكم دمى لقوى خفية معادية له ونافية لحقوقه.
لست واثقا من أن فرصة الكلام مرة أخرى مع السبسي ممكنة بعد الفرصتين السابقتين وقد قصصتهما لكني اعتبر هذه التغريدات شبه رسالة مفتوحة له. فأقول له جازما: لا تختم حياتك بإغراق البلد في أوضاع لعل الخروج منها سيكون أعسر من الخروج من العهدين السابقين. لا تجعل التاريخ يلعنك. فقد يكون بورقيبة قد كان معذورا لأن تأسيس الدولة يمكن أحيانا أن نقبل فيه “لا ريزون دايتا” وإفساد مناخ التصالح الذي بدأته تونس جريمة لا تغتفر. ولتعلم أن الـ”مدننة” لا تعني بالضرورة خروج الشعب من جلدته وتبني وهم التحديث المستبد الذي يمثله الفكر الوضعي البورقيبي الذي تجاوزه العصر.
وآخر كلامي هو أنك لو كنت تلميذ بورقيبة كما تدعي لتجاوزته إذا كان كما تعتقد معلما جيدا. فأسوأ المعلمين من لم يتجاوزه تلاميذه فكانوا دونه إنجازا. والتجاوز الممكن بالنجاز نوعان كما أسلفت:
معالم يذكرها التاريخ وأنت لم تفعل.
واستدراك لأخطاء وقع فيها بورقيبة تعيد أسوأ لن تفلح. والسلام.
اعترافك بفشل مدننة النهضة فيه اعتراف بحقيقتين من المفروض أن يكونا مسلمتي الحداثة التي تدعيها وحزبك: تعدد المرجعيات ونهاية الحزب الواحد. اعتبار المدننة شرطها أن تصبح النهضة تابعة للنداء في رؤاها يعني أنك لا تريد تعدد الرؤى وما زلت تحلم بالحزب الواحد. إذن فالثورة عندك لعبة. انظر حتى في حزبك: لم يعد يؤمن بالحزب الواحد والرأي الواحد إلا سلبا أي بنفي غيره لكنه هو بنفسه تفجرت تياراته جذاذا لكليانية الفكر فيها.
السياسة الحديثة والديمقراطية من شرطها التعدد والاعتراف المتبادل ولا يحق لأي تيار أن يعتبر ذاته معيارا للوطنية فيستثني غيره من مواطنيه. لو كنت من النهضة -من قاعدتها أو من قيادتها- لقلت لك بأي حق تعتبر نفسك محددا لشروط المدنية ولحق لمن لا يوافقك أن يرى المدنية ربما خيرا منك. مناورة تأجيل الانتخابات فيه اعتراف بأن ظروف التزييف المساعد لم تتوفر بعد وإذن فيه اعتراف بأن الشعب لن تنطلي عليه مناورات المرة السابقة. ومناورة الأزمات الحكومية وعدم الاستقرار الحكومي لن تضر إلا الوطن والقوة السياسية المسؤولة عنها أي أنتم وحلفاؤكم المحتملين في هدف الأقصاء.
خذها نصيحة: العصر غير عصر الاحزاب الواحدة والتبلعيط على الشعوب فهي قد صارت أوعى من النخب التي هي ريشة في مهب رياح التبعية والسلام أخيرا.

Exit mobile version