الحركة “هبطت”: هل فعلا عادوا ؟!
أحمد الرحموني
رئيس المرصد التونسي لاستقلال القضاء
يوم 4 سبتمبر الجاري وعلى الساعة الثامنة مساء تقريبا تنفس القضاة الصعداء بعد ان “هبطت” بعد طول انتظار الحركة السنوية للنقل والترقيات للسنة القضائية 2017- 2018 الصادرة عن مجلس القضاء العدلي.
والحقيقة ان ظروف “هبوط” هذه الحركة على “رؤوسنا” لم تكن منتظرة ولعل اخفها نشر القائمات المتعلقة بالرتب الثلاث بصفحة الفايسبوك الخاصة بالناطق الرسمي للمجلس الاعلى للقضاء (هل يعقل؟!) ثم بصفحة مجلس القضاء العدلي.
على كل يبدو ان المجلس ما زال يتخبط في مرحلة البدايات رغم التجربة السابقة للهيئة الوقتية للقضاء العدلي والمجالس العليا للقضاء (قبل الثورة). ويمكن ان نجد اثرا لهذه “الفوضى” في رسالة “شخصية” منشورة على اثر اعلان الحركة بالصفحة الخاصة بالناطق الرسمي للمجلس موجهة الى رئيس الحكومة السيد يوسف الشاهد تضمنت قوله (ويا للغرابة !) “هذه الكلمات تعبّر عن وجهة نظري الشخصية -كعضو فقط- وأرجو من المتحفظين بالمجلس عدم التعليق. على الأقل إذا ما تحبوش تعبْروا خلّوني نعبّر وأنا متأكد بأنني سأعبّر عن موقف جزء محترم من الزملاء بالمجلس. ثم إن هذه الكلمات هي على حائطي الشخصي أليس كذلك؟”.
ومهما كان فقد اكتشفنا بالصدفة -والفضل في ذلك للناطق الرسمي- ان المجلس -حسب قوله- لم يمكن “من المقومات التي تجعله مجلسا مستقلا يمثل السلطة القضائية” من ذلك “عدم تعيين محاسب عمومي وعدم العمل على صرف الاعتمادات المرصودة في الميزانية وعدم العمل على صرف المنح والامتيازات وعدم إيجاد مقر يليق بسلطة”.
ولعل ذلك ما يبرر رفع الكلفة بين رئيس الحكومة والناطق الرسمي الذي اطلق صيحة فزع “سي يوسف أعلمكم أن مجلس القضاء العدلي كان في ضيافة محكمة التعقيب -مشكورين- وبداية من هذه السنة القضائية سنكون في مأزق وربما أبشرك بأن المجلس سيكون قريبا بدون مقر قار يعني بالعربي SDF!”.
لكن هذا عن المجلس فماذا عن الحركة ؟ هل مازالت على عهدها وهل يمكن لهذا المجلس -الذي يفتقر الى المقومات اللازمة “التي تجعله مجلسا مستقلا يمثل السلطة القضائية”- ان يكون اكثر من وضعه؟.
في هذا السياق التقط انطباعا عاما (مستقلا) اورده احد القضاة الشبان (في مجموعة مغلقة) عن تلك الحركة حيث يؤكد “كما كان متوقعا حركة قضائية مسيسة الى النخاع حرمت من خلالها كفاءات من تولي مواقع حساسة ووليت لاطراف بالكاد تستنشق انفاس القانون والعدالة !”.
بالتاكيد لاشك ان حركة هذا العام (مع تباشير المجلس الجديد) قد “صادرت” لفائدة النظام القضائي القديم (المنظومة السابقة) عددا من الوظائف الادارية الاساسية (بوزارة العدل والمؤسسات الملحقة بها) فضلا عن عدد من “المواقع” القضائية المؤثرة (بالقطب القضائي الاقتصادي والمالي والدوائر الجنائية والوكالة العامة ووكالة الجمهورية…الخ).
ولا تخفى في هذا الشان التاثيرات المباشرة لنقابة القضاة التونسيين (وممثليها بالمجلس) على عدد من التسميات بوزارة العدل (الادارة العامة للدراسات والتشريع -ادارة الشؤون الجزائية- ادارة الشؤون المدنية…الخ) او على عدد من النقل غير المبررة او التعسفية (التي طالت عضوين على الاقل من المكتب التنفيذي لجمعية القضاة التونسيين) فضلا عن تجريد البعض من الوظيفة القضائية (مساعدة وكيل الجمهورية لدى المحكمة الابتدائية باريانة).
ويمكن للعارفين ان يتلقفوا دون عناء اسماء بارزة (عادت من جديد) من بين “قضاة الادارة” او “التجمعيين” (احدهم كان ظلا للوزير الصادق شعبان) او حتى “الانقلابيين” الذين تم اختيارهم لتولى ارفع المناصب في ادارة القضاء والمحاكم.
واستعيد بين يدي هذه الحركة -التي شملت ثلث القضاة العدليين تقريبا (660 قاضيا)- حديثا سابقا عن حركة القضاة بين “الصابة” و”العجرودة” (جريدة الصباح 9 اوت 2015) لاشك انه ينطبق بالكامل على حركة القضاء العدلي لهذه السنة.
فهي (أي الحركة) “صابة” لمن كان قريبا من المجلس او من اهله (على الاقل 3 من اعضاء المجلس من جملة 10 قضاة انتفعوا بمسؤوليات من بينهم رئيسة المجلس) فضلا عن اصدقائه او احبائه او الداعمين له.
وكذلك هي (اي الحركة) «صابة» لمن تمت ترقيته او اسناده وظيفة قضائية شاغرة سواء بالصدفة او على سبيل العادة او الخطأ غير مقصود او في نطاق ذر الرماد على العيون.
وهي (أي الحركة) “عجرودة” لمن لم ينتفع بها او جرح منها او غدر بسببها او لم يصادفه الحظ وهم الاغلبية ومن بينهم هؤلاء الذين يستهدفون مكتسبات القضاة و«هدم المجلس» وزوال النعمة على عموم القضاة خصوصا بعد ان برزت -حسبما يعتقده المقربون- التوجهات الاصلاحية للمجلس الجديد (اليس كذلك؟).