الصحافة وكتائب البشمرقة

كمال الشارني
بحثا عن المعنى
أكثر الناس إثارة للشفقة، هم الذين يتوقعون إفلاس الصحافة المحترفة من رؤساء التحرير الفاشلين والمشبه بهم من كتائب البشمرقة ممن لم يعرفوا عذاب الجري وراء المعلومة وممن لم ينجزوا عمليا عملا صحفيا ميدانيا واحدا، بقطع النظر عن الجنس الصحفي، أناس لا يقرأون ولا يكتبون، لكنهم مرضى بمد وجوههم أمام الكاميرا، والحضور في كل محضر، حتى لو كان صيد الحلزون.
إذاعة 98.5 في الكيباك (11 مليون ساكن على مساحة 40 مرة مساحة تونس) أصبحت ظاهرة صحفية يتحدث عنها العالم لأنها تدفع أغلبية الكنديين إلى الاستيقاظ في الخامسة فجرا لفهم اليوم الجديد، فيها ستة صحفيين فقط إنما ليسوا من النوع الذين تسمعه عندنا، إعداد جيد، موضوعية كبيرة رغم ولائهم لليمين، تختلف معهم لكنك تستمع لهم، حتى عبر الانترنيت، بعيدا جدا عن الكيبيك. أنا مازلت أستمتع صباحا بسماع الصحفي بوردان على قناة BFM الذي ينقل مباشرة على عدة إذاعات منها أر أم سي الشهيرة، وهو يعذب السياسيين المتدفقين على شرف الحضور لديه لكي أفهم ما سيحدث في العالم ومنها بلادي، تهمني تلك التقنية المتجددة في إعطاء معنى لما يحدث، الصحافة هي أفضل الأدوات لتفكيك وإعادة تركيب الواقع، نحن نحتاج إلى من يذكرنا بالأدلة والشواهد والعلامات، يجمعها ويحللها، ليخرج لنا تلك الفكرة التي تجعلنا نخرج صباحا ونحن أكثر فهما لهذا العالم المعقد.
المشكل في تونس، أن كثيرا من المحسوبين على الإعلام ليس لديهم حتى الحد الأدنى لإعطاء معنى لأي شيء، سوى الفوضى.

عن احتياطي النذالة في الصحافة
ذكرني أحد الزملاء الأصدقاء، بتقاتل ثلاثة زملاء حول من يفطن قبل الآخرين لنزول مقال في الفاكس من مكتب عبد الوهاب عبد الله في شتم المعارضة، لكي ينتحله ويضع عليه اسمه، الفضيحة أن المقال كان ينشر حرفيا في كل الصحف اليومية ثم الأسبوعية بأسماء متعددة، وهذا يشمل “صحفيين زملاء” في أغلب المؤسسات الإعلامية، يتقاتلون من أجل شتم المناضلين بمقابل ومديح الطاغية مجانا، لم يكن في وجوههم ماء الحياء، لكنهم حولوا كل ذلك إلى أملاك طائلة من الملك العام والاستثناءات العمومية والاحتكارات، ولم يكفهم ذلك فأصبحوا كلهم اليوم من كبار رؤساء التحرير والكرونيكات الكبار بل طوروا وسائلهم إلى الحرب بالوكالة، على أساس أن الثورة عقيم لا تنجب كتابا غيرهم، لذلك ليس لنا غيرهم وأن ذلك هو قدر الشعب والثورة، وقد قال أمامي صاحب مؤسسة إعلامية إنه يفضلهم على غيرهم من الصحفيين على جهلهم ونذالتهم بسبب احتياطي النذالة غير المحدود لديهم والتي تبيح لهم المشاركة حتى في شتم بطون أمهاتهم اللاتي ولدنهم.
أنا لا أقول شيئا من رأسي، أنا مستعد للمساهمة المالية في تمويل بحث جامعي عن النذالة الأخلاقية لدى بعض المنسوبين لمهنة الصحافة، والمادة متوفرة في المركز القومي للتوثيق، حيث نسخ الصحف التونسية متوفرة للجميع.

Exit mobile version