مازال الشارع التونسي يتحرك على ايقاع شعار الثورة “التشغيل استحقاق ياعصابة السراق” ويعتبر ان التنمية والتشغيل هما اللتان ستحققان العدالة الإجتماعية بين الجهات، والكرامة للمواطنين، التي اعتبرت السبب الرئيسي لخروج الشباب ذات 17 ديسمبر وهما من امهات القضايا المطروحة في الساحة السياسية والإقتصادية، كما يفسر هذا الشعار انعدام الثقة بين السلطة المركزية والجهات خاصة أن المعنين بالشأن العام وخاصة بعد الثورة يخلقون في قضايا هامشية باملاءات وتمويلات اجنبية لصرف الأنظار عن هذه الإشكاليات الحقيقية.
يرى بعض الشباب أن الوعود التي قدمتها الدولة والتي تعجز على تحقيقها هي من باب المماطلة والتسويف وما يقوم به الإعلام من شيطنة الإحتجاجات في الجهات دليل على نية الحكومة وعجزها. ويبقى الأمل عند القليل وان كان بين مد وجزر، في الإنتخابات البلدية والمحلية القادمة، ربما يكون هناك بعض العوض لما عانته عديد الجهات من اقصاء وتهميش طيلة عقود.
كثفت عديد الجمعيات المحلية والدولية هذه الأيام دورات تكوينية وندوات لتوضيح وتبسيط مبدأ الحوكمة المحلية والذي عرفه كل العالم في اطار التطورات السياسية والإقتصادية اذ يرى الخبراء ان تفعيل هذا المبدأ يدعم مسار الحكومة في تحقيق التنمية الفعالة والعدالة بين مختلف الجهات، وإدارة موارد الدولة، وإرساء الاستقرار الاجتماعي بتكريس شرعية الهيئات المحلية، وتعزيز قدرات البلديات في مجال التصرف في الأزمات لخدمة وتحقيق الصالح العام، اذ تكون الممارسة السياسية من خلال تفعيل الحوكمة شفاف والبرامج المعدة على المدى القصير والبعيد تحت الرقابة والمساءلة، إذ تساهم كل القوى الفاعلة في إطار توسيع صلاحيات الجماعات المحلية وإشراك المجتمع المدني دون اقصاء، في ادارة الشأن المحلي حسب ما تنص عليه مجلة الجماعات المحلية..
حضي هذا المبدأ في دستور 2014 بأهمية كبرى حيث حدد له باب باكمله وهو الباب السابع وكذلك الفصل 14 من الدستور عرّف كل المفاهيم وأليات الحكم ونصص على مجريات العمل كما اوضح مفهوم اللامركزية لتعميق الثقة بين المواطن ومؤسسات الدولة والتخلص من مركزية السلطة وهيمنة “لوبيات الحكم” وبذلك تتحقق اول ممارسة خطوات الديمقراطية التشاركية وتعديل الكفة في العدالة التنموية بين الجهات وتقليص الفقر والتهميش.
يبقى قانون الإنتخابات بحساب اكبر البقايا والذي اعتمد في التشريعات معضلة حقيقية حسب رأيي، أراه لا يخدم الإنتخابات البلدية والمحلية بقدر ما يخدم الأحزاب الحاكمة فهو يكرس المحاصصة والترضيات فتغيب بالتالي الكفاءات المستقلة والنزيهة في الجهة، وينشغل الفائز يعد ذلك في إرضاء السلطة والحزب الذي رشحه ورد الجميل له… وربما هذا ما يفسر عزوف الكثير على المشاركة في الإنتخابات في القوائم والتصويت اذ يشعرون باحباط كبير وعدم جدية من السلطة على تنفيذ هذا البند الدستوري وحل المشاكل الحقيقية، والتي يرونها السبيل الوحيد لتحقيق الكرامة واثبات المواطنة.
لا ينكر احد ان خطوات تكريس الديمقراطية مازال متعثرا و”الزبانئية السياسية” وتفشي الفساد مازال متغلغلا في أوصال الدولة، ومع أن تجربة اللامركزية في الدول الغربية تطورت وحققت نجاح الا ان معظم الدول العربية التي سبقتنا في خوض هذه التجربة عرفت تعثرات في هذا المسار بسبب اقتصادها الريعي وطبعا استبداد الحكام في المركز والذي مازال يمارس نفس السياسات السابقة بكل آلياتها حتى في الدول التي شهدت ثورات، كما ان غياب قوانين دقيقة توضح العلاقات بين مؤسسات الدولة وهيئاتها وبين حكم البلديات لم يطرح بعد على طاولة الحوارات ولا اتصور ان فكرة استقلالية هذه المحليات ستكون واقعية خاصة أن فكرة التشاركية الديمقراطية لتنشيط الحكم المحلي لتحقيق التنمية ضبابيا جدا بل شعارا ينتظر أليات تفعيله على ارض الواقع. كما على المنظمات الدولية والمحلية الكف عن اللعب بملف المرأة والشباب حتى لا يفرغ الموضوع الرئيسي وهو الحكم المحلي من جديته ويحضى بالنقاش اكثر من غيره.